التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


الاثنين، 17 مايو 2021

صنع في فلسطين

 


منذ قديم الزمان عندما كان التاريخ البشري يسطر حروفه ليشهد بميلاد الأمم وانتقال البشرية من البدائية إلى العيش في مجتمعات منظمة . شهدت منطقة الشرق الأوسط ميلاد حضارات سبقت شعوب العالم وتفاوتت في درجات التقدم    فيمابينها , وبرزت الحضارة الأعظم في مصر القديمة , وقد استفادت تلك الحضارة من كل امكانيات بيئتها , وأدركت ماتفتقده . ولكونها حضارة سلام , فقد تبادلت التجارة مع جارتها فلسطين لتغطي العجز من احتياجاتها . وكان لهذا التبادل عظيم الأثر على مدن فلسطين  .

   وقد توافر في البيئة الفلسطينية الزيت والقار والنبيذ وعسل النحل , وقد وثقت لنا الحفريات على عملية التبادل التجاري , وذلك منذ عصر ماقبل الأسرات وعصر الأسرتين الأولى والثانية . فعثر على تلك المنتجات في مصر في أواني فخارية كبيرة تحمل الطابع الفلسطيني التي يتميز بالأيدي المموجه .  وكانت التجارة وقتها تتخذ الطرق البرية فمدن فلسطين البحرية لم تظهر على الساحة في ذلك الوقت .

   أما على الجانب الآخر فقد عثر في منطقة "تل جاث " بوسط جنوب فلسطين على أواني فخارية مصرية منها قطعة فخارية تحمل اسم الملك "نعرمر " ترجع لنهاية الألف الرابعة قبل الميلاد , وكذلك قطعة فخارية مكسورة عند تجميعها وجد الاسم الهيروغليفي "نعر" أو الجزء الأول للملك "نعرمر" وذلك في موقع "أراد " بمنطقة النقب .

   أما موقع "عين بيصور " بشمال النقب . فقد عثر على كتل غير منتظمة تحمل طبعات أختام ترجع للأسرة الأولى خاصة بموظفين وكهنة مصريين , ممايعني أن هؤلاء كانت لهم مهام على أرض فلسطين , أي أنها كانت قواعد ملكية مثل "تل جاث " و "أراد" للإشراف على التجارة المتبادلة , وكذلك وجدت الأختام المصرية والخرز المصري المصنوع من الذهب والأواني الفخارية في مواقع فلسطينية أخرى  مثل : "تل مالحاتا " و " تل حلف " و "تل ماعاحاز " و "تل عيراني " و "افريدار" .

   وقد عثر في "كفر موناش " بفلسطين على آثار مصرية عبارة عن أدوات ولوحات نحاسية وخرز ترجع لبداية الأسرة الأولى , ويرجح أنها خاصة بقاطعي الأخشاب ويبدو أن المصريين كانوا يأخذون الأخشاب من تلك المنطقة , بل ويبدو أن العمال المصريين كانوا يشاركون في العمل حيث عثر في جبانة "أزور " على بعض الهياكل المصرية .

   وقد عثر في مقبرة الملك "بر ايب سن " من الأسرة الثانية بأبيدوس على طبعة ختم كتب عليه "منتجات آسيا " أو ما يساوي الآن "صنع في فلسطين " وذلك يشير إلى الأشياء الملحقة بالبطاقة أنها أحضرت من آسيا .  

   ونسوق تلك الآثار التاريخية لإثبات قدم العلاقة بين المصريين والفلسطينيين  أصحاب الأرض , وتلك الأدلة التاريخية لم تذكر من قريب أو بعيد على ملكية اليهود لتلك الأرض . حيث صورت لهم الأوهام أنهم ساكنوا تلك البقاع منذ القدم , ولا يوجد دليل لوجودهم , بينما الفلسطيني عاش وصنع وتاجرو ابدع على تلك الأرض .


السبت، 15 مايو 2021

أورشليم عربية

 



   انتهكت الأرض , قتل الأبرياء العزل , دنست المقدسات , تاريخ طويل ينضح بالمآسي  , وجرح لا يندمل , يذكرنا دائما بحال الأرض الطاهرة , التي عليها  ولد و عاش الأنبياء سلام الله عليهم .

   فلسطين وعاصمتها القدس ثالث الحرمين الشريفين , وقبلة المسلمين الأولى , وستظل تلك أرضنا المقدسة مهما كان مستعمرها فتارة أوروبيون جاءوا من وراء البحار , وتارة يهود الشتات . وفي كل مرة يحاول المستعمر أن يزور التاريخ ويطمس الهوية ليثبت أن تلك أرضه , ولن ينل من ذلك – بإذن الله - سوى خداع نفسه فقط .

    والقدس تلك المدينة التي تبعد 14 ميلا عن البحر الميت , و 33 ميلا عن البحر المتوسط , ظلت منذ الاف الأعوام تتوالى عليها الأحداث الجسام وتتراكم فيها الآثار , ظلت محفورة في أذهاننا ولكن – للأسف – اختلط علينا الأمر في اسمها الثاني صاحب الشهرة "أورشليم " بأنه اسم عبري يتداوله المستعمر الصهيوني , وربما تصور البعض أنه توراتي , غير أنه هذا ما أراده المستعمر بالضبط فالقدس عاصمة فلسطين لها أكثر من اسم .

   فلها من الأسماء  العربية "بيت المقدس , و المقدس , و القدس الشريف ,  وكذلك القدس "   , أما الأسماء التي ذكرت في التوراة أو العهد القديم , فكانت : "أريئيل " وذلك في سفر أشعياء اصحاح 29 الآية 1 , "ومدينة العدل " في نفس السفر اصحاح 26 الآية 1 , و " جبل القدس " في نفس السفر ايضا اصحاح 27 الآية 13 , واسمها " المدينة " في سفر المزامير اصحاح 72 الآية 16 , وايضا "مدينة الله " في نفس السفر اصحاح 48 الآية 1 , و سميت كذلك " مدينة الحق " في سفر زكريا اصحاح 8 الآية 3 , و "مدينة القدس " في سفر نحميا اصحاح 11 الآية 1 , و " المدينة المقدسة " في سفر متى اصحاح 4 الآية 5 , وكذلك مدينة داود .

   معنى هذا أن اسم أورشليم ليس عبرياً كما نظن , بل إنه اسم قديم , ورد من قبل التوراة , وأقدم نقش باسم " أورشليم " عثر عليه في أخريات القرن التاسع عشر قبل الميلاد , وربما في عهد الملك سنوسرت الثالث , وذكر اسم المدينة " أورساليموم" , وذكر ايضاً في رسائل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد , في رسالة للملك اخناتون "1376- 1350" ق.م من تابعه أمير القدس "عبد خبيا " و تحت اسم "أورسالم " .

   ثم ضعفت الامبراطورية المصرية واستقل اليبوسيون بها واسموها "يبوس " , ثم انتصر عليهم "داود عليه السلام " واصبحت عاصمة دولته , وسميت "مدينة داود " , فكانت مركزاً للحكم و عاصمة دينية يهودية , وكان الاسم " أورسالم "غريباً على اليهود فحرفوا الاسم بعد ذلك إلى "أورشالم " أو " يورشالايم " .

     أما في المصادر المعاصرة , فكانت النقوش الاشورية تذكرها "أورساليمو " , والنقوش اليونانية تذكرها "هيروسوليما " والمؤرخ اليوناني "هيرودوت " ذكر بأنها كانت مدينة كبيرة وسماها "قديتس " وذلك مرتين في الجزء الثاني والثالث من تاريخه . ويذكر في هذا أن المستشرق اليهودي "سالمون مونك " في كتابه فلسطين , أن القدس اسم محرف عن النطق الآرامي "قديشتا " .

    وقد اختلفت الآراء حول معنى "أورشليم " , وإن كان أقربهم للمنطق هو أنها كلمة مركبة من "أور " بمعنى مدينة أو مكان , و "شالم " وهو معبود وثني و إله السلام  لأهل فلسطين الأصليين وكانت تلك المدينة مركزاً لعبادته , وبذلك يكون معناها مدينة الرب سالم  .

  ولم تفت تلك التسمية بدون أن يضيف أحبار اليهود من لمساتهم الخاصة عليها , فقد ادعوا أن من سماها "شالم " أو السلام هو " سام بن نوح " , وأن النبي ابراهيم عليه السلام سماها "يرأة " أو الخوف , فقرر الله أن يسميها " يرأة – شالم " أو "أورشليم " ومعناه الخوف والسلام , ليظهر في عقيدتهم في أكثر من موضع عن  السلام المتولد من الخوف  .

  وإذا كان أهل فلسطين الأصليين قد ربطوها بالسلام , وربطها أحبار اليهود بالرعب والخوف فقد عاشوا على أرضها مئات السنوات في حذر و احاطوا أنفسهم به وشاركوا في تدبير الدسائس والمؤامرات ليعطوا أنفسهم احساساً زائفاً بالسلام والطمأنينة ولا سيما المؤامرة الكبرى التي حاكوها للسيد المسيح الذي رأوا فيه تهديداً لنفوذهم فأنقذه الله ورفعه للسماء , ولم يغيروا من سياساتهم , فكانت مؤامرات اليهود تظهر من حين لآخر فظهرت في عهد نيرون ضد المسيحيين الأوائل , وكان للامبراطور الروماني "تيتوس " 79-80م عشيقة يهودية تدعى "برنيكي" وكانت شقيقة "جوليوس اجريبا " الثاني ملك مملكة يهوذا , إلا أن ذلك لم يمنع "تيتوس " من هدم معبد سليمان وأمر ببناء معبد للمعبود جوبيتر فوق اطلاله , ثم قامت ثورة اليهود الكبرى عام 115م وتمكن من قمعها الامبراطور "تراجانوس " , ثم قام الامبراطور "هدريان " 117- 138م , عام 135م بقمع ثورة في ذلك العام ودمر أورشليم تماماً وهجر سكانها من اليهود بالكامل ليتفرقوا في كل مكان , وغير الرومان اسم " أورشليم " إلى " ايليا كابيتولينا " أو " ايليا" وظلت تلك المدينة خالية من اليهود حتى القرن السابع الميلادي , وجاءت الفتوحات الاسلامية ليدخل أمير المؤمنين المدينة عام 16 هجرية وتسلمها من البطريرك "صفرنيوس" وأمن أهلها على دينهم و أموالهم وكنائسهم , واشترط صفرنيوس ألا يسكن المدينة أحدا من اليهود وفي هذا اشارة واضحة لما فعله اليهود من عبث و مؤامرات طالت سلام المدينة , إلا أن عمراً قد سمح لليهود بدخول المدينة وممارسة شعائرهم دون الدخول لمقدسات و مناطق المسيحيين بعد أن حرموا من دخولها طيلة خمسة قرون لأن الدين الاسلامي قد حدد لليهود مالهم وماعليهم .

   ومنذ ذلك التاريخ سميت المدينة بالقدس , ونسب اسم "أورشليم " بالخطأ لليهود آخر من أطلق عليها هذا الاسم . وقد ساهم اليهود في الترويج لذلك  كعادتهم المتأصلة في تزييف الحقائق .