انتهكت الأرض , قتل الأبرياء العزل , دنست المقدسات , تاريخ طويل ينضح بالمآسي , وجرح لا يندمل , يذكرنا دائما بحال الأرض الطاهرة , التي عليها ولد و عاش الأنبياء سلام الله عليهم .
فلسطين وعاصمتها القدس ثالث الحرمين الشريفين
, وقبلة المسلمين الأولى , وستظل تلك أرضنا المقدسة مهما كان مستعمرها فتارة
أوروبيون جاءوا من وراء البحار , وتارة يهود الشتات . وفي كل مرة يحاول المستعمر
أن يزور التاريخ ويطمس الهوية ليثبت أن تلك أرضه , ولن ينل من ذلك – بإذن الله -
سوى خداع نفسه فقط .
والقدس تلك المدينة التي تبعد 14 ميلا عن البحر
الميت , و 33 ميلا عن البحر المتوسط , ظلت منذ الاف الأعوام تتوالى عليها الأحداث
الجسام وتتراكم فيها الآثار , ظلت محفورة في أذهاننا ولكن – للأسف – اختلط علينا
الأمر في اسمها الثاني صاحب الشهرة "أورشليم " بأنه اسم عبري يتداوله
المستعمر الصهيوني , وربما تصور البعض أنه توراتي , غير أنه هذا ما أراده المستعمر
بالضبط فالقدس عاصمة فلسطين لها أكثر من اسم .
فلها من الأسماء العربية "بيت المقدس , و المقدس , و القدس
الشريف , وكذلك القدس " , أما
الأسماء التي ذكرت في التوراة أو العهد القديم , فكانت : "أريئيل " وذلك
في سفر أشعياء اصحاح 29 الآية 1 , "ومدينة العدل " في نفس السفر اصحاح
26 الآية 1 , و " جبل القدس " في نفس السفر ايضا اصحاح 27 الآية 13 , واسمها " المدينة " في سفر المزامير اصحاح 72
الآية 16 , وايضا "مدينة الله " في نفس السفر اصحاح 48 الآية 1 , و سميت
كذلك " مدينة الحق " في سفر زكريا اصحاح 8 الآية 3 , و "مدينة
القدس " في سفر نحميا اصحاح 11 الآية 1 , و " المدينة المقدسة " في
سفر متى اصحاح 4 الآية 5 , وكذلك مدينة داود .
معنى هذا أن اسم أورشليم ليس عبرياً كما نظن ,
بل إنه اسم قديم , ورد من قبل التوراة , وأقدم نقش باسم " أورشليم " عثر
عليه في أخريات القرن التاسع عشر قبل الميلاد , وربما في عهد الملك سنوسرت الثالث
, وذكر اسم المدينة " أورساليموم" , وذكر ايضاً في رسائل العمارنة في
القرن الرابع عشر قبل الميلاد , في رسالة للملك اخناتون "1376- 1350"
ق.م من تابعه أمير القدس "عبد خبيا " و تحت اسم "أورسالم " .
ثم ضعفت الامبراطورية المصرية واستقل
اليبوسيون بها واسموها "يبوس " , ثم انتصر عليهم "داود عليه السلام
" واصبحت عاصمة دولته , وسميت "مدينة داود " , فكانت مركزاً للحكم
و عاصمة دينية يهودية , وكان الاسم " أورسالم "غريباً على اليهود فحرفوا
الاسم بعد ذلك إلى "أورشالم " أو " يورشالايم " .
أما
في المصادر المعاصرة , فكانت النقوش الاشورية تذكرها "أورساليمو " ,
والنقوش اليونانية تذكرها "هيروسوليما " والمؤرخ اليوناني "هيرودوت
" ذكر بأنها كانت مدينة كبيرة وسماها "قديتس " وذلك مرتين في الجزء
الثاني والثالث من تاريخه . ويذكر في هذا أن المستشرق اليهودي "سالمون مونك "
في كتابه فلسطين , أن القدس اسم محرف عن النطق الآرامي "قديشتا " .
وقد اختلفت الآراء حول معنى "أورشليم
" , وإن كان أقربهم للمنطق هو أنها كلمة مركبة من "أور " بمعنى
مدينة أو مكان , و "شالم " وهو معبود وثني و إله السلام لأهل فلسطين الأصليين وكانت تلك المدينة مركزاً
لعبادته , وبذلك يكون معناها مدينة الرب سالم
.
ولم تفت تلك التسمية بدون أن يضيف أحبار اليهود
من لمساتهم الخاصة عليها , فقد ادعوا أن من سماها "شالم " أو السلام هو
" سام بن نوح " , وأن النبي ابراهيم عليه السلام سماها "يرأة
" أو الخوف , فقرر الله أن يسميها " يرأة – شالم " أو
"أورشليم " ومعناه الخوف والسلام , ليظهر في عقيدتهم في أكثر من موضع عن
السلام المتولد من الخوف .
وإذا كان أهل فلسطين الأصليين قد ربطوها
بالسلام , وربطها أحبار اليهود بالرعب والخوف فقد عاشوا على أرضها مئات السنوات في
حذر و احاطوا أنفسهم به وشاركوا في تدبير الدسائس والمؤامرات ليعطوا أنفسهم احساساً
زائفاً بالسلام والطمأنينة ولا سيما المؤامرة الكبرى التي حاكوها للسيد المسيح
الذي رأوا فيه تهديداً لنفوذهم فأنقذه الله ورفعه للسماء , ولم يغيروا من سياساتهم
, فكانت مؤامرات اليهود تظهر من حين لآخر فظهرت في عهد نيرون ضد المسيحيين الأوائل
, وكان للامبراطور الروماني "تيتوس " 79-80م عشيقة يهودية تدعى "برنيكي"
وكانت شقيقة "جوليوس اجريبا " الثاني ملك مملكة يهوذا , إلا أن ذلك لم
يمنع "تيتوس " من هدم معبد سليمان وأمر ببناء معبد للمعبود جوبيتر فوق
اطلاله , ثم قامت ثورة اليهود الكبرى عام 115م وتمكن من قمعها الامبراطور
"تراجانوس " , ثم قام الامبراطور "هدريان " 117- 138م , عام
135م بقمع ثورة في ذلك العام ودمر أورشليم تماماً وهجر سكانها من اليهود بالكامل
ليتفرقوا في كل مكان , وغير الرومان اسم " أورشليم " إلى " ايليا
كابيتولينا " أو " ايليا" وظلت تلك المدينة خالية من اليهود حتى
القرن السابع الميلادي , وجاءت الفتوحات الاسلامية ليدخل أمير المؤمنين المدينة عام
16 هجرية وتسلمها من البطريرك "صفرنيوس" وأمن أهلها على دينهم و أموالهم
وكنائسهم , واشترط صفرنيوس ألا يسكن المدينة أحدا من اليهود وفي هذا اشارة واضحة
لما فعله اليهود من عبث و مؤامرات طالت سلام المدينة , إلا أن عمراً قد سمح لليهود
بدخول المدينة وممارسة شعائرهم دون الدخول لمقدسات و مناطق المسيحيين بعد أن حرموا
من دخولها طيلة خمسة قرون لأن الدين الاسلامي قد حدد لليهود مالهم وماعليهم .
ومنذ ذلك التاريخ سميت المدينة بالقدس , ونسب
اسم "أورشليم " بالخطأ لليهود آخر من أطلق عليها هذا الاسم . وقد ساهم
اليهود في الترويج لذلك كعادتهم المتأصلة في
تزييف الحقائق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق