كثير من هواة الرحلات البحرية - حتى ممن لا يبارحون أماكنهم ويكتفون بالمشاهدة على الانترنت أو الأفلام الوثائقية - ينبهرون بجمال جزر البحر الكاريبي ذات المياه الزرقاء الصافية والجبال الخضراء و الغابات والشلالات وزد عليهم الاستعداد لاستقبال السياح بالاطعمة الخاصة ودفء الاستقبال والموسيقى والثقافة و المنتجات الوطنية .
بورت رويال الآن
وتبرز من بين تلك الجزر "جاميكا " التي وصفها "كريستوفر كولمبس" بأنها الأجمل من بين مااكتشفه من الجزر , وعند تفقد الأماكن السياحية التي ينصح بمشاهدتها قرية هادئة للصيادين تدعى "بورت رويال " أو الميناء الملكي , يتميز أهلها بالود والطيبة ويذكر الدليل السياحي أسماء المرشدين من صندوق التراث الوطني الجامايكي , وعددهم لايزيد على أصابع اليد الواحدة وعلى استعداد لاصطحابك في جولة في "بورت رويال " لمعرفتهم التامة بتاريخها البائد والذي يتمثل في متحف صغير آخر ماتبقى من حصن "فورت تشارلز " و كان مخزناً للأسلحة عام "1888"م - وقد تعرض لزلزال قوي عام "1907"م فأصبح جزءا من يسمى "جيدي هاوس " من المعالم بسبب ميله الغريب - ويحوي القليل من الآثار المنتشلة من تحت الماء .
جيدي هاوس
وقد زاد من هدوء المكان
انقطاع الرحلات السياحية البحرية إليه منذ أربعين عاماً- لظروف سياسية - حتى بدأت
السفن السياحية تتدفق إليها خاصة أن الحكومة قد زودت الميناء برصيف عائم كانت
بداية عمله استقبال 2000 زائر , في يناير 2020م , قادمين على السفينة "ماريا
ديسكفري 2 " .
عودة الرحلات البحرية لبورت رويال
وبالطبع السائح عندما تطء قدمه تلك البقعة سيروى له تاريخ حافل , ربما لن يستطع البعض الربط بينه وبين مايراه الآن من هدوء وزوال لتلك الآثار .
فبعد اكتشاف كريستوفر كولمبوس للعالم الجديد , توسع المكتشفين من بعده في الغزو , ونهب ثروات العالم الجديد برعاية أسبانيا والبرتغال , فطمعت بريطانيا في أن يكون لها موطئ قدم فبدأت بانشاء المستعمرات في أمريكا الشمالية و حاولت الاتجاه جنوباً لجزر الكاريبي ففشلت في الاستحواذ على هسبانيولا " هاييتي و جمهورية الدومينكان الآن " فاتجهت إلى "جامايكا " وحصلت عليها في "1655 "م , واستعانت انجلترا بقوات غير نظامية , لم تدربها أو تدفع لها راتبا , وتدين لها بالولاء وكانت شوكة في ظهر القوات البحرية الأسبانية , وكانت تلك القوة هي القراصنة , التي كانت تتقاسم معهم الغنائم , وظهر منهم "هنري مورجان " من ويلز , وكان من الطبيعي لسفن القراصنة بعد أن تنتهي من رحلتها الدموية أن ترسو على شاطئ للتزود بالمؤن والاستمتاع بالغنائم , وبديهياً لن يكون ذلك على جزر العدو الأسبانية أو العودة للوطن فيما وراء المحيط وهم رسمياً خارجين على القانون , فوقع الاختيار على استراحة ومدينة سميت "بورت رويال" التي كانت مركزاً للقراصنة والجنس وتجار العبيد ووصفت بأنها المدينة الأكثر شراً في العالم , وكان ذلك بمباركة انجلترا .
القرصان هنري مورجان
وإذا عدنا لمدينتنا "بورت رويال" سنجد أنها ابتليت بالعديد من النكبات منها حريق مدمرعام"1710"م , إلتهم أغلب مبانيها , وزلزال شديد عام "1907" م , ثم أغلق الانجليز ميناء بورت رويال لأن المدينة نفسها لم تعد آمنة من الكوارث , وكان آخر كارثة أصابت المدينة اعصاراً قوياً دمر مابقي منها عام "1951" م , وبالطبع كانت تلك الكوارث يأتي في ذيلها الأمراض والأوبئة . وقد بقي القليل من آثار المدينة الغنية , والتي تحولت لقرية صغيرة لايزيد عدد سكانها عن 2000 نسمة .
تحصينات بورت رويال المباقية حتى الآن
وبورت رويال في الحقيقة لاتختلف كثيراً عن مانقرأه من قصص وأفلام عن المغامرات واكتشاف الكنوز وبقايا السفن , فالمياه المحيطة بها شهدت منذ النصف الثاني من القرن العشرين - والذي شهد تطور آلات الغطس والتنقيب تحت الماء – رحلات كثيرة للأثريين و صيادي الكنوز ومحبي المغامرات , فتحت المياه المحيطة ببورت رويال يستقر مجد المدينة من كنوز غمرتها مياه البحر , ويقدر تلك المسافة بأربعين قدماً تحت الماء , وشهد النصف الثاني من القرن العشرين مغامرات الغواصين تحت الماء وتسجيلها , وكان من أطرف مااكتشف ساعة للجيب بتاريخ 1686م توقفت في تمام الساعة 11:43, وقد اكتشفت عام 1969م , وقد أنشأت حكومة جامايكا صندوق للتراث الوطني به شعبة للآثار مركزها ميناء كينجستون العاصمة , وبالاستعانة بالسونار اكتشفت سفينة غارقة للقراصنة بميناء كينجستون , وقد تعاون صندوق التراث الوطني مع برنامج الآثار البحرية بجامعة تكساس إيه أند ام للكشف عن المدينة الغارقة ,وقد انتهى ثمرة تعاونهم عام 1990م , وبعد فهرسة تلك الآثار أصبحت بورت رويال من المواقع الأثرية الرسمية بجامايكا وذلك عام 1999م . ووضعت حكومة جامايكا نصب عينيها هدف واضح في تجميع أكبر قدر من الآثار المنتشلة لتكوين متحف كبير يليق بتاريخ المدينة الحافل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق