التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


السبت، 23 يناير 2021

حِكَم الأجداد

 


     العقل زينة , الشرط نور , الصراحة راحة وغيرها الكثير من الحكم التي انتقلت لنا من جيل لآخر تحمل لنا خبرة وتجارب سنوات في جمل موجزة , لتعظ الناس وترشدهم , وقد وصلت إلينا شفاهية أو مسجلة في كتب التراث , وإذا انتقلنا لمرحلة أبعد أو مصر في العصور القديمة ذات الحضارة التي علمت العالم , نجد أن تعاليم الحكماء قد انتقلت إلينا عبر البرديات أو نقشت على جدران مقابرهم , لتكون ذكرى خالدة لهم بالخير والفضيلة .

    وفي مصر القديمة كان الموظف الكفء هو من يلم بنصائح وحكم المعلمين , فهو بذلك كمن يحمل شهادة علمية و فصاحة في الكلام وخبرة في فلسفة الحياة, وكان من عادة الكاتب المصري عندما ينال من العلم والخبرة الكثير ويحس بدنو أجله أن يعهد لشخص قريب منه بتدوين تعاليمه ليحفظها ويعمل بها وتورث من بعده .

   وأقدم التعاليم التي وصلتنا من مصر القديمة حفظت في المكتبة الأهلية بباريس مسجلة في بردية تسمى بردية "بريس " نسبة للعالم الفرنسي "بريس " الذى اشتراها من أحد فلاحي الأقصر وأهداها للمكتبة عام "1847م" وتحتوي على تعاليم الوزير والمعلم  "كاجمني " وسجلت في نهاية عصر الملك "حوني " آخر ملوك الأسرة الثالثة , ومنها مايتناول آداب الحديث , فيقول : "المتواضع الحذق يحالفه النجاح ويظل سليماً معافي" , "من يتخذ الاستقامة أساسا ً لعمله يمتدحه الناس" , وايضا تناول آداب المائدة , فقال: "إذا جلست مع أشخاص كثيرين فاصطنع كراهية الطعام , حتى ولو كنت شديد الرغبة فيه , إن قدحاً من الماء يروي الظمأ , وطبقاً بسيطاً يكفيك , فالقليل يغني عن الكثير" ,"إذا جلست مع شخص شره فلا تأكل إلا بعد أن يفرغ من وجبته ".

   وقد ورد في حكم "بتاح حتب " لابنه وكان  وزيراً في عهد الملك "جد كا رع – إسيسي " في عهد الأسرة الخامسة , نصائح عدة  منها ماورد عن تكوين أسرة صالحة , فقال له : " وإذا أصبحت رشيداً فأسس لنفسك بيتاً واتخذ لنفسك زوجة وأحبب زوجتك في حدود العرف , أو عاملها بماتستحق " .

    ومن عصر الانتقال الأول جاءت إلينا تعاليم ملك اهناسيا إلى ابنه الملك "مري كارع " في بردية سجلت في عهد الملك "تحتمس الثالث" وعرفت باسم بردية" لينجراد " , ليلقن ابنه خبرة سنوات من الحكم وتجارب الحياة , فقال له : "مجد العظماء , واعمل على سعادة شعبك فكم هو جميل أن يعمل المرء من أجل المستقبل . ولكن افتح عينيك , فقد يمتليء المرء بالثقة , ثم يتكشف الأمر عن حسرة لثقة جاءت في غير موضعها " . "أقم الحق طوال حياتك على وجه الأرض . وواسي الحزين , ولاتظلم الأرملة ولاتطرد رجلاً مماكان يمتلكه أبوه , ولاتلحق ضرراً بالقضاة فيما يتصل بمناصبهم وكن مدققاً حذراً حتى لاتظلم أحداً " . " ارفع من شأن الجيل الجديد , إن مجتمعك ملئ بالشباب الذين هم في سن العشرين , فزد من عدد أتباعك منه وزودهم بالثروة والحقول والماشية " .

   وفي عصر الدولة الوسطى ترك الملك أمنمحات الأول نصائحه لابنه سنوسرت الأول حيث تعرض لمؤامرة من أعوانه , فقال له : " احذر اتباعك , لاتقربهم  و أنت بمفردك , ولا تملأ قلبك بأخ , ولا تصاحب صديقاً , ولاتثق بأحد من الأتباع وتقربه إليك , فهذه أمور لاجدوى منها " .

   وفي المتحف المصري توجد بردية  الحكيم "آني" موجهة لابنه "جنس حتب " في أمور الحياة اليومية من آداب الزيارة وحب العمل والبر بالوالدين والتبكير بالزواج المبكر , وحسن اختيار الأصدقاء , وفضل الأم وحسن معاملة الزوجة ومعاملة الرؤساء .

   وفي المتحف البريطاني توجد بردية نصائح "آمون أم أوبت " لابنه "حور ما خر " وترجع للدولة الحديثة وقد كتبت بأسلوب شعري , وتحض على الأخلاق والصبر والتواضع وسلوك وواجبات الموظف في عمله .

  وفي العصور المتأخرة توجد تعاليم "عنخ شاشنقي" الموجهة لابنه و يرجح أنها في القرن الخامس أو الرابع قبل الميلاد . وتبين التعاليم أن "عنخ شاشنقي" هو كاهن للإله "رع" بمدينة "أون " وقد سجن لإتهامه بقتل الفرعون , وقد تميزت بالطابع العملي البعيد عن الفلسفة وتوضح لنا أنه رجل فلاح عاش حياة الريف في مجتمع في فترة صعبة جعلت احياناً المصلحة الشخصية في المرتبة الأولى , وتميزت كذلك بحس الدعابة , فقال لابنه : "إذا وهبوك جزاء الغباء , فاجعل  التعليم إذن خصيمك " , ونبه لقوة الإله بقوله " عندما يكون رع غاضباً على الأرض , فإن حاكمها يهمل القانون " , وقال :" وقر إلهك فهو القادر على حمايتك , ولاتقصر في خدمته " . ومن النصائح الأخلاقية : "اعمل على تعليم ولدك أن يكتب وأن يحرث وأن يصيد وأن يستخدم الشص على مدار العام , فأنه بذلك سوف يجني الفائدة بما يعمله " . "لاتقل الآن هو صيفاً , فهناك شتاء قادم , فمن لم يجمع حطباً في الصيف أعوذه الدفء في الشتاء " , "لو أنك عملت , فالأرض لن تبخل عليك " , " إن ثروة قليلة مع الاحترام تساوي نهر النيل في زمن الفيضان " , " عندما تعطي شيئاً تملكه إلى أي شخص , فاجعله مصحوباً بالكلمة الطيبة , عندئذ يصبح هبتين وليس هبة واحدة " . "لا تتشاجر مع أحد في أمر أنت مخطئ فيه " , " لاتقل , لقد أديت معروفاً لهذا الشخص ولم يشكرني عليه" , " لاتقترض مالاً لكي تعيش ميسوراً منه , واقترض مالاً فقط للضرورة كاتخاذ زوجة أو شراء أرض زراعية " , "احذر أن تتخير لنفسك إمرأة سيئة الطبع , حتى لاتورث ابنائك تربية فاسقة " , لاتهجر امرأة في دارك لأنها عقيم " , " لاتنتهك حرمة امرأة متزوجة " , " تحر عن كل أمر تعرفه " , " لاتشاور عالماً في أمر تافه إذا وجد أمر جليل , ولا تشاور جاهلاً في أمر جلل إذا وجد عالم تستطيع أن تشاوره " ., " لاتكن حذراً في موقف سيء يحتاج المواجهة " , " لو وصلت للقمة وكسبت ممتلكات عدة , فاجعل أخوتك عظماء معك " , " لاتبع منزلك ومصدر دخلك يوماً ما لغرض أو مصلحة , ثم تصبح فقيراً للأبد , ولاترسل أحداً للمدينة متى توقعت متاعب فيها, ولاتتسرع في الذهاب إلى القاضي ثم بعد ذلك تنسحب من أمامه , ولا تكن مثبط الهمة في كل أمر مايمكن أن تسأل فيه النصيحة , ولاتقل انتهى مرضي , فلن آخذ الدواء " .

   وبذلك كانت السمة العامة لنصائح أجدادنا في مصر القديمة هي غرس الأخلاق  الصالحة وترسيخ القيم الأسرية و البعد عن العنف والصبر على الشدائد والحكمة في التصرف فما ترك بين سطور البرديات لايختلف كثيراً عمايتردد الآن على ألسنتنا في الحض على التمسك بالأخلاق الكريمة .  

الثلاثاء، 19 يناير 2021

نمور سري لانكا البشرية

   هي جماعة عسكرية أشعلت حرباً أهلية دامت ثلاثة عقود فكانت أطول حرب أهلية في آسيا , أسالت من الدماء الكثير واستهدف غضبها ذوي المناصب السياسية الهامة قامت في  "سري لانكا " عام 1976م وقدر عدد ضحايا حوالي مئة ألف قتيل معظمهم من المدنيين العزل , وقد  اطلقوا على أنفسهم "جبهة نمور ايلام - تاميل " واتخذوا من النمر المزمجر والذي يحيط به سلاحي سنكي والرصاصات رمزاً لهم . وإذا أردنا أن نعرف مالذي أثار غضب هؤلاء ليدفعهم لتكوين جبهة للقتال , لابد أن نعرف في البداية الظروف المحيطة بهم ؟     

رمز جبهة نمور ايلام تاميل 

 

على جزيرة  "سري لانكا" أو سيلان سابقا التي تقع في أقصى جنوب شرق الهند ويفصلها عنها مضيق" بالك " , والذي لايزيد عرضه عن 32كيلومتراً مربعاً , يقسم عدد السكان - حوالي 22 مليون نسمة - إلى قسمين : الأول : "سنهال " ويشكلون "70%" من السكان ومعظمهم يدين بالبوذية , والثاني : "تاميل" ويشكلون "23%" من عدد السكان معظمهم من أصول سريلانكية , و "6%"  من أصول هندية جلبتهم بريطانيا للعمل في زراعة الشاي .

    ويدين التاميل بالهندوسية , و"20%" منهم يدينون بالاسلام , "6%" يدينون بالمسيحية , ويتركز التاميل في شمال وشرق الجزيرة . أما باقي سكان سري لانكا فهم من أصول عربية وملايوية وأندونيسية . ونجد أن كلا من السنهال والتاميل لهم نفس الملامح والصفات الجسمانية للهنود في لون البشرة والأجساد النحيلة .

اللون الأخضر يوضح تركز التاميل في سري لانكا 

وللتاميل لغة خاصة تمسكوا بها , رغم أن أغلبية السكان يتحدثون السنهالية , ويغلب عليهم الأمية والفقر في حين أن التاميل هم من يملكون السيطرة الاقتصادية وقد نالوا دعم بريطانيا التي جعلتهم في الصدارة في ادارة البلاد , لذلك كانت الخطوات الأكيدة لسري لانكا نحو التقدم وخاصة بعد أن نالت استقلالها عام 1948م , أن تغير من تلك الثوابت , فضم أول برلمان "58" "من السنهال" 29 "من التاميل و"8" مسلمين. وبذلك امسك السنهال بزمام الأمور , وظهرت مجموعة منهم من المثقفين وصناع القرار , وظهرت العصبية الطائفية وفضلت البوذية عما سواها من أديان للتاميل , بل ونزعت الجنسية السريلانكية عن مليون تاميلي بحجة أن بريطانيا أتت بهم من الهند , وأقصي ثلث نواب البرلمان التاميليين , وأقرت السنهالية لغة رسمية وحيدة , وأممت المدارس التاميلية , لمنع تدريس لغتهم  , فغادر آلاف الموظفين التاميل لعدم قدرتهم على استخدام لغة السنهال , وحل السنهال محلهم .

 

 


مظاهرات طلاب التاميل 

 

تفجيرات التاميل 

   وأوغرت صدور التاميل بالكراهية بعد أن باتوا في أوضاع سيئة , وارادوا تكوين وطن خاص لهم بلغته التاميلية  , فلجأوا لاستعمال القوة وكونوا جبهة مسلحة اطلقوا عليها  " نمور التاميل " عام 1976م  وتركزت تلك القوات في شيه جزيرة جفنة في الشمال , وحصلت على مساعدات مالية وأسلحة من تاميل جنوب الهند , فقامت حرب عصابات على الحكومة السريلانكية عام 1983م , وبلغت ذروتها عام 1987م , فكان على حكومة الجارة الكبرى الهند التدخل للصلح عام 1987م , حيث ارادت أن تصبح قوة اقليمية  - وكان وقتها رئيس الوزراء راجيف غاندي – وعقد الطرفان الصلح على البنود الآتية :

-        أن تدير المقاطعات الشمالية والشرقية ادارة تاميلية ويقتصر عملها على الادارة وحفظ الأمن كخطوة لتحقيق الحكم الذاتي .

-        نزع سلاح التاميل وخاصة نمور التاميل , وأن تدخل الهند بقوات لحفظ السلام في سري لانكا.

-        إعادة توزيع السكان التاميل وعودة التاميل الهنود لأراضيهم  وكذلك تاميل سري لانكا لأراضيهم .

وعارض السنهال الاتفاقية بمختلف طوائفهم الشعبية والسياسية والدينية لأنهم رأو أن التاميل ينالون حقوقاً لايستحقونها , وكذلك اعترض التاميل على الاتفاق , وعادوا لحمل السلاح والذي لم تسمح به الهند فزادت الهند من قواتها إلى 30 ألف جندي وحاصرت مضيق "بالك" لمنع الامدادت العسكرية للتاميل . واستمرت الحرب الاهلية السريلانكية لسنوات عديدة بين الحكومة وبين نمور التاميل وانتقلت من الشمال لمركز الحكومة في العاصمة "كولومبو", وراح ضحية تلك الحرب حوالي 100 ألف من الجنود والمدنيين العزل من السنهال والتاميل  , وضربت فيها اهداف اقتصادية بواسطة عمليات انتحارية وراح ضحيتها مئات من المدنيين حيث تم تفجير المركز التجاري الدولي بالعاصمة , وتفجير البنك المركزي , تفجير فندق الميريديان , كما قام التاميل باستهداف شخصيات سياسية – منها ماتم  قبل أن تظهر النمور عام 1976م – حيث تم اغتيال زعيم الاستقلال "باندرانيكا" عام 1959م , السياسي "بريماداسا"عام 1993م , رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي عام 1991م , بباقة زهور ملغومة راح ضحيته مالايقل عن 13 ضحية أخرى , وعشرات المصابين , ثم اغتيال مرشح الرئاسة "جاميني ديسكانيا" عام 1994م , وتدمير موكب رئيسة الوزراء تشاندريكا باندرانيكا" ومقتل عدد كبير من الحرس واصابة وفقد عينها اليمني عام 1999م , ولم يكن كل شعب التاميل في تعاون مع جبهة نمورهم في أعمال العنف , فقد رفض مسلمو التاميل التعاون معهم ضد الحكومة فتعرضوا للقتل وتدمير المنازل والطرد , فكان كثير منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين , كما تم تفجير كنيسة نافالي ومقتل العديد من المدنيين , وكان أطفال المدارس يتم خطفهم وقتلهم أو دفنهم أحياء . ولم تنتهي أطول حرب أهلية في آسيا إلا بعد مقتل برابهاكاران زعيم نمور التاميل عام 2009م على يد الجيش السريلانكي في كمين والذي بدأ حياته بأولى عملياته باغتيال رئيس بلدة جافني عام 1975م , ولم يمنح الوقت بتناول كبسولات السيانيد التي كان معتاداً تناولها من قبل عناصر نمور التاميل عند القبض عليهم وصفيت مراكز قوة النمور الثلاثة: السياسية , والمنظمة لجمع الأموال للتمويل , والعسكرية بقوتها البحرية التي اعتمدت على الزوارق الخفيفة بعد أن دمرت تقريبا نصف القوات البحرية الحكومية , ونمور الجو وتمتلك خمس طائرات خفيفة وهي الجهة الارهابية الوحيدة في العالم التي تمتلك قوة جوية , والنمور السود صاحبة العمليات الانتحارية , وأخيرا جناح المخابرات وذبح بذلك النمر الغاضب المتعطش للدماء  .

 

راجيف غاندي 

 

برابهاكاران 


    وسري لانكا الآن تحاول التعافي من تلك الحرب المدمرة , ولكن جارتها الكبرى الهند لاتراها بعين الرضا فقد استعانت في اقامة المشاريع الضخمة بمنافسة "الهند" العتيدة "الصين "  , فقد رأت سري لانكا أن الارتماء في احضان الصين البعيدة التي تحترم البوذية خير من الجارة الهندوسية التي كان بعض مواطنيها مستحوذين على خيراتها فيما مضى و ايضاً السبب في تمويل حربهم الأهلية . 


الجمعة، 1 يناير 2021

المولود الجديد مابين أسطورة فرس النهر و طائر اللقلق

  

 

طائر اللقلق الأبيض جالب الأطفال في الأساطير الأوروبية 

 

فرس النهر حامي الأم والمولود في مصر القديمة 


طالما كان ميلاد طفلاً هو شيء سار ومحبب لكل أسرة , فكان ذلك الكائن الصغير الضعيف مستأثراً بالجهد والعطف والحماية , والأم تكون متكررة الزيارات للطبيب منذ بدايات الحمل وحتى  ما بعد ولادة الطفل , فكلاهما يحتاجان للرعاية الصحية , ولكن في الأزمنة القديمة لم تكن التطعيمات واللقاحات والعناية الطبية كما كانت عليه في آيامنا هذا , وكان وفاة المواليد الصغار شيء وارد , بل وكانت حياة الأم مهددة بالخطر منذ بدايات الحمل , فكان لابد من اللجوء بقوى عظيمة لحماية الأم والمولود .

   

 


 


 تماثيل مختلفة لأنثى فرس النهر الحامية 

     

 وفي مصر القديمة على الرغم من تقدمهم الطبي إلا أنهم لجأوا لمعبودة حامية 

للأم آثناء الحمل والولادة وكذلك للوليد  , فكانت أنثى فرس النهر أو "إبي " 

بمعنى المرضع الحاضن و ظهرت تلك التسمية في نصوص الأهرام في الدولة 

القديمة ,  ثم اسم "ررت" والذي ظهر في الدولة الوسطى , ثم "تا ورت" في 

الدولة الحديثة  , وهي معبودة حامية منزلية استعان بها المصري كتمائم ونقوش 

على الأسرة و الأثاث و أدوات الزينة وكل مايشير بدلالات للخصوبة وكذلك

 على العصي السحرية للولادة , وقد ارتبط هذا الحيوان في ذهن المصري القديم

 بالبطن الممتلئ كرمز الخصوبة والحمل , وكذلك لاحظ شراسة هذا الحيوان

 واستماتته في الدفاع عن صغاره فوجدوا فيها المعبودة الحامية , وصورها

 المصري القديم كأنثى فرس نهر تقف على قدميها الخلفيتين وهما قدم أسد ولها 

بطن كبير وثديين متدليتين و ذيل تمساح , وجمع المصري القديم بين الثلاث

 حيوانات الشرسة زيادة في الحماية . وقد أضاف لها أحياناً الشعر المستعار , أو

 تاجاً يتخذ شكل قرص الشمس مابين قرني بقرة , وتعلوه ريشتان عاليتان .


اللقلق والأطفال في أفلام الكارتون 

   أما في التراث الأوروبي ارتبط كائن آخر بالحمل والميلاد , وهو طائر اللقلق – وإن ابتعد عن تعاويذ الحماية التي ارتبطت بها أنثى فرس النهر في فكر المصري القديم – ففي التراث الأوروبي كان الإجابة المعتادة للأطفال عند سؤالهم لذويهم كيف أتوا للحياة  ؟ فتكون الإجابة  : طائر اللقلق , فالأسطورة تروي أن طائر اللقلق الأبيض يطير حاملاً قماشة تحمل الوليد الجديد وتضعه على عتبة منزل الوالدين , فالأطفال الصغار أصغر من أن يدركوا كيف جاءوا لهذه الدنيا , وربما كانت تلك الفكرة ماثلة في اذهان ذويهم فترجموها لتلك الأسطورة , فطائر اللقلق الذي يغادر أوروبا للجنوب بحثاً عن الدفء في نهاية فصل الصيف يعود إلى دياره بعد تسعة أشهر في شهري مارس و أبريل و كأنها رحلة جنين من التكوين للولادة , وكانوا يظنون أن ابناء مواليد شهري مارس و أبريل كانوا نتاجاً لحفلات الزفاف الجماعي التي كانت تتم في منتصف الصيف يوم 21 يونيو , وكان يقام حفلاً منذ أن كانت أوروبا في عصور الوثنية للاحتفال بالحصاد والخصوبة , فكأن اللقلق يعود للديار مع مولد أولئك الأطفال وكأنه يجلبهم لأسرهم , وقد ظهرت تلك الأسطورة في قصص الأطفال الغربيين وفي أفلام الرسوم المتحركة أكثر من مرة .