طالما كان ميلاد طفلاً هو شيء سار ومحبب لكل أسرة , فكان ذلك الكائن
الصغير الضعيف مستأثراً بالجهد والعطف والحماية , والأم تكون متكررة الزيارات للطبيب
منذ بدايات الحمل وحتى ما بعد ولادة الطفل ,
فكلاهما يحتاجان للرعاية الصحية , ولكن في الأزمنة القديمة لم تكن التطعيمات
واللقاحات والعناية الطبية كما كانت عليه في آيامنا هذا , وكان وفاة المواليد
الصغار شيء وارد , بل وكانت حياة الأم مهددة بالخطر منذ بدايات الحمل , فكان لابد
من اللجوء بقوى عظيمة لحماية الأم والمولود .
تماثيل مختلفة لأنثى فرس النهر الحامية
وفي مصر القديمة على الرغم من تقدمهم الطبي إلا أنهم لجأوا لمعبودة حامية
للأم آثناء الحمل والولادة وكذلك للوليد , فكانت أنثى فرس النهر أو "إبي "
بمعنى المرضع الحاضن و ظهرت تلك التسمية في نصوص الأهرام في الدولة
القديمة , ثم اسم "ررت" والذي ظهر في الدولة الوسطى , ثم "تا ورت" في
الدولة الحديثة , وهي معبودة حامية منزلية استعان بها المصري كتمائم ونقوش
على الأسرة و الأثاث و أدوات الزينة وكل مايشير بدلالات للخصوبة وكذلك
على العصي السحرية للولادة , وقد ارتبط هذا الحيوان في ذهن المصري القديم
بالبطن الممتلئ كرمز الخصوبة والحمل , وكذلك لاحظ شراسة هذا الحيوان
واستماتته في الدفاع عن صغاره فوجدوا فيها المعبودة الحامية , وصورها
المصري القديم كأنثى فرس نهر تقف على قدميها الخلفيتين وهما قدم أسد ولها
بطن كبير وثديين متدليتين و ذيل تمساح , وجمع المصري القديم بين الثلاث
حيوانات الشرسة زيادة في الحماية . وقد أضاف لها أحياناً الشعر المستعار , أو
تاجاً يتخذ شكل قرص الشمس مابين قرني بقرة , وتعلوه ريشتان عاليتان .
اللقلق والأطفال في أفلام الكارتون |
أما في التراث الأوروبي
ارتبط كائن آخر بالحمل والميلاد , وهو طائر اللقلق – وإن ابتعد عن تعاويذ الحماية
التي ارتبطت بها أنثى فرس النهر في فكر المصري القديم – ففي التراث الأوروبي كان
الإجابة المعتادة للأطفال عند سؤالهم لذويهم كيف أتوا للحياة ؟ فتكون الإجابة : طائر اللقلق , فالأسطورة تروي أن طائر اللقلق
الأبيض يطير حاملاً قماشة تحمل الوليد الجديد وتضعه على عتبة منزل الوالدين ,
فالأطفال الصغار أصغر من أن يدركوا كيف جاءوا لهذه الدنيا , وربما كانت تلك الفكرة
ماثلة في اذهان ذويهم فترجموها لتلك الأسطورة , فطائر اللقلق الذي يغادر أوروبا
للجنوب بحثاً عن الدفء في نهاية فصل الصيف يعود إلى دياره بعد تسعة أشهر في شهري
مارس و أبريل و كأنها رحلة جنين من التكوين للولادة , وكانوا يظنون أن ابناء
مواليد شهري مارس و أبريل كانوا نتاجاً لحفلات الزفاف الجماعي التي كانت تتم في
منتصف الصيف يوم 21 يونيو , وكان يقام حفلاً منذ أن كانت أوروبا في عصور الوثنية
للاحتفال بالحصاد والخصوبة , فكأن اللقلق يعود للديار مع مولد أولئك الأطفال وكأنه
يجلبهم لأسرهم , وقد ظهرت تلك الأسطورة في قصص الأطفال الغربيين وفي أفلام الرسوم
المتحركة أكثر من مرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق