التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


الجمعة، 20 نوفمبر 2020

الملك امنحتب الثالث صاحب طريق الكباش


                                الملك أمنحتب الثالث 

    كثير منا تأمل في تمثال الملكة "نفرتيتي" الشاهد على براعة الفنان المصري الذي وصل حد كبير من الإتقان , والتي  كانت زوجة للملك "أمنحتب الرابع" الذي غير اسمه إلى "اخناتون" وقاد ثورة دينية وفكرية ووحد الآلهة في إله واحد هو آتون أو قرص الشمس ونقل العاصمة من واست " طيبة " إلى "اخيتاتون " في تل العمارنة بمحافظة المنيا الحالية,ذلك المناخ الجديد لم يأت من الفراغ فقد اعتلى أمنحتب الرابع عرش مصر ووجدها تنعم بالرخاء الاقتصادي والفكري والاستقرار السياسي وكان ذلك نتاجاً لماتركه سلفه و أبوه " أمنحتب الثالث" , مماجعله يتفرغ لدينه الجديد ويقود ثورته الفكرية .

   وإذا تناولنا سيرة أبيه الملك "أمنحتب الثالث "تاسع ملوك الأسرة "18" في الدولة الحديثة من تاريخ مصر القديم  , سنجده قد تميز بأشياء عديدة, منها : فترة حكمه التي تجاوزت خمس وثلاثين عاماً , والتي ساعدته على الاستقرار و الرخاء الإقتصادي والذي جعله يهتم بالعمارة والفنون وظهر ذلك جلياً في معبد "الأقصر" الذي بناه لعبادة الثالوث " آمون" وزوجته" مونت " و ابنهما "خنسو" إله القمر,  ويعد ثان معابد طيبة الكبرى , ربطه أمنحتب الثالث بمعبد الكرنك بطريق نطلق علىه اليوم بطريق " الكباش "  زين على جانبيه بتماثيل على شكل أبي الهول بلغ عددها 500 تمثال على الجانبين , لها أجسام الأسود ورؤوس الكباش حيث يرمز الأسد للقوة والشجاعة و الكبش رمز آمون حيث قوة الخصب والإنتاج . وسجل في ذلك المعبد نص الولادة الألهية لنفسه كما فعلت الملكة حتشبسوت حيث اعتبر نفسه وريثاً إلهياً لعرش مصر من أبيه آمون , وكان له 600 تمثال للإلهة سخمت – ابنة رع وربة الحرب لها جسد امرأة و رأس لبؤة – في معبد" موت " بالكرنك , وبنى في طيبة الغربية قصراً ومعبداً جنائزياً هدمه الملك " مرنبتاح " عند تشييده لمعبده ولم يبق منه سوى تمثالان على جانبي الصرح والمعروفين باسم تمثالا"ممنون". وعمت انجازات أمنحتب في العمارة الدينية مصر , حيث بدأ انشاء جبانة العجول "السيرابيوم" بسقارة , وأقام تماثيل القرد للإله تحوت في الأشمونين , كما كانت له مبان أخرى في أبيدوس والكاب و أتريب وتل بسطه , وتميزت كل انجازات أمنحتب المعمارية والفنية بتحررها من الأشكال التقليدية الصارمة , والتي ظهرت بوضوح في فكروفن آثارخلفه أمنحتب الرابع من رقة المشاعر.وقد اهتم أمنحتب الثالث بعبادة الشمس حيث كان له آثار بهليوبوليس "عين شمس " فكانت اشارة لزيادة الإهتمام بآتون أو قرص الشمس . وكانت له آثار في النوبة حيث بنى معبداً في اليفانتين , وآخر في وادي السبوع لآمون , ومعبداً في "عينبه" لعبادة "حورس" الجنوبي , وكذلك معبداً في صولب لعبادته هو وزوجته  الملكة "تي" والمعبود "آمون" .

 

طريق الكباش 



   

 

معبد الأقصر


مقبرة العجول بسقارة 

تمثال القرد بالأشمونين  

 

  أما سياسته الخارجية فقد امتد تأثيرها لما بعد وفاته , وربما كانت تلك السياسة قد كتبت في سجل قدره , فكانت البداية قبل ميلاده حيث كان والده الملك تحتمس الرابع غير مهتم بإرسال الحملات لآسيا نظراً لحالة  الاستسلام والسكون التي أظهرها جيران مصر الآسيويين , وإن كان هذا ظاهرياً فقط وبمرور الوقت سيثبت عكس هذا . على كل حال فقد أراد الملك تحتمس الرابع في توطيد العلاقة مع حاكم "ميتاني "الملك "أرتاتاما" –في شمال سوريا - واتحاده معه لدعم قوته ضد الحيثين في شمال وسط الأناضول , فتوطد هذا الاتحاد بالزواج السياسي بين تحتمس الرابع وابنة حاكم "ميتاني" الأميرة "موت إم ويا" , وكسربذلك الملك تحتمس الرابع القاعدة الشرعية التي كان ينتهجها ملوك مصر القديمة بالحرص على الاقتران بالزوجة الملكية للتأكيد على شرعية الحكم , فكان هذا اتجاهاً معاكساً لتوطيد الحكم وقد نتج عن تلك الزيجة ابنا صار فيما بعد , الملك " أمنحتب الثالث" فكان ذلك الملك يجري في عروقه دماء غير مصرية ومما لاشك فيه ذلك كان مؤثراً على سياسته الخارجية .

  وقد تزوج أمنحتب الثالث من أميرة مصرية تدعى سات آمون , كانت ابنة تحوتمس الرابع من أميرة مصرية , ولم يقم أمنحتب بحملات تأديبية لآسيا, حيث كان حكام آسيا يثبتون الولاء لمصر بإرسال الجزي والهدايا . ومثلما لجأ والده "تحتمس الرابع" للزواج السياسي لتوطيد علاقاته الخارجية فعل ابنه ايضاً بل توسع في ذلك , فقد قامت مملكة الحيثيين -الذي كان اشتباكها  وشيكاً مع مصر- بقتل ملك ميتاني حليف مصر بيد حليفها "عبدي شرتا"حاكم أمورو,  بل وقام باعلان نفسه وصياً على العرش , ولكن فشل كل ذلك وقام الملك الجديد لميتاني "توشراتا " بتزويج ابنته "تادوخيبا" لملك مصر لتوطيد علاقته به .

   وفي تلك الأثناء كانت بابل حليفة مصر, لها مطامع في آشور التابعة لميتان حليفة مصر , فكان نتاج ذلك الجو المتوتر المتشابك المعقد أن حرص الملك "كاريجالزو" ثالث ملوك الأسرة الكاشية على زواج ابنته بالملك "أمنحتب الثالث" لينال الحماية المصرية مثله مثل ملك ميتاني وملك أرزاوا . وكذلك ليحصل على عطايا مصر من الذهب والفضة والنحاس و اللازورد التي كانت تجلبها من آسيا وتهديها لحلفائها , وتلك الموارد كانت هامة في المشروعات العمرانية وخاصة الدينية . ومافعله "كاريجالزو" كرره ولده وخليفته "كادشمان-إنليل الأول " .فقد صاهر أمنحتب الثالث وزوجه ابنته ووثقت وسجلت رسائل العمارنة كافة تفاصيل الزيجة من تكاليف وتبعات وفق التقاليد العراقية القديمة .

   وقد أرسل ملك مصر مبعوثاً مصرياً لمصاحبة ابنة "كادشمان أنليل" لمصر , فتجرأ الملك "كادشمان أنليل " أن يطلب من "أمنحتب الثالث" أن يرسل له أميرة مصرية ليتزوجها فكان الرد عليه:" أنه منذ أمد بعيد لم تقترن ابنة ملك مصري من شخص أجنبي ".فعاود طلبه بأنه يريد أي مصرية ليتزوجها مدعياً أمام شعبه أنها أميرة مصرية , وذكر ملك مصر أنه وافق على طلبه لابنته , فرفض أمنحتب الثالث رفضاً قاطعاً لمخالفة ذلك الأعراف المصرية , ممايوضح النظرة الفوقية التي كان ينظرها ملك مصر لملوك بابل , وكان لإتمام تلك الزيجة الشرط الصريح بإرسال مصر للذهب , فكان الرد المصري بما اثبتته الوثائق أن العروس قد ارسل لها خمس عربات محملة بالأثاث الفاخر المطعم بالعاج والمصفح برقائق الذهب , وهذا لم يرق للملك "كادشمان أنليل " , مثلما لم يرق من قبل "توشراتا" حاكم "ميتاني" , حيث كانت مصرترى أنها أقوى من تلك البلاد ولا يجب أن ترضخ لطلباتهم حتى أن مبعوثي تلك البلاد كانت مقابلة الملك لهم تتميز بالفتور والتعالي .

   على أن الملك المصري لم يهنأ بتلك الزيجة فقد ماتت العروس البابلية بالطاعون , ومثلما فعل "كادشمان أنليل " تكرر نفس الشيء مع ابنه "بورنابوش الثاني " الذي صاهر ملك مصر , حرصا منه على التحالف المصري البابلي أو حتى التنازل ليصل إلى حد التبعية لما كان يواجه بابل من مخاطر من تنامي قوة آشور وتهديد قبائل السوتو لحدودها وطرقها التجارية . وكان نتيجة لتلك الزيجات السياسية من حكام آسيا , أن اطمئن الملك "امنمحات الثالث " لحدوده الآسيوية التي كان يصونها أصهاره ومن يدينون له بالولاء , ولم تعد هناك حاجة للحملات العسكرية .

  أما سياسة الملك الخارجية مع النوبة فقد قام في العام الخامس من حكمه بتجنيد فرقة نوبية لتأديب القبائل النوبية في أقصى الجنوب على الحدود المصرية السودانية , و بالنسبة للحدود الغربية فقد سجلت آثار الأقصر ذكر قبائل "المشوش" إحدى الجماعات الليبية , كما أن لوح أنشودة النصر في النوبة ذكرت أنه كان يسيطر على قبائل "التحنو" الليبيين المعروفين بالأقواس التسعة .

  

 

تويا حماة الملك 

 

مومياء يويا

 

مومياء يويا وتويا

 

قناعي يويا وتويا والدا الملكة تي 

الملكة تي 

 

 

الملكة تي متقدمة في السن 

 

                         تمثال نفرتيتي        

 

               تمثال اخناتون            

ومثلما تزوج "أمنحتب الثالث" من الأميرة المصرية و الأميرات الأجنبيات , كن بالنسبة له صفقات سياسية وساكنات بجناح الحريم إلا زيجة واحدة له تميزت بكونها أخذت منحى جديداً في التقاليد الأسرية الملكية بمصر القديمة , وكانت تلك الزيجة في العام الثاني من حكمه , من فتاة مصرية تدعى "تي" ابنة أحد نبلاء أخميم ومن كبار ضباط الجيش ويدعى "يويا" وزوجته  "تويا"والتي كانت من عائلة على علاقة وثيقة بالقصر الملكي . وقد أنجبت لأمنحتب الثالث ستةابناء , ذكرين أكبرهما مات في حياة أبيه والثاني صار الملك "اخناتون" , و أربع إناث حملت اثنتين منهن لقب ملكة . وكانت الملكة "تي" من قوة الشخصية وحب الملك لها , أن تركها تدير شئون مصر الداخلية والخارجية حتى أن المراسلات الخارجية الآتية من آسيا كانت تأتي أحياناً باسمها , ولقبت بلقب "الزوجة الملكية العظمى " , وشاركت الملك في الأعياد الشعائرية الكبرى مثل عيد سد – لم يحتفل به كثير من الملوك لأنه بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على العرش – كما صورت على شكل أبي الهول , وخصص لها الملك معبداً في سرنقة الواقعة بين الجندلين الثاني والثالث , وحفر لها بحيرة في الجزء المنخفض من بركة تقع جنوب معبد مدينة هابو و ألحقها بقصر في شرقه . وقد عاشت الملكة "تي" للعام الثامن من حكم ابنها "اخناتون " بنفس الشخصية القوية المؤثرة في شئون الدولة فكانت الخلافات على أشدها بينها وبين زوجة ابنها الملكة "نفرتيتي" , حيث تعودت الملكة الأم أن تكون السيدة الأولى , ولم تتقبل أن تكون لمصر ملكة غيرها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق