اسحق حلمي |
سجلت آثار مصر القديمة اهتمام المصريين بالرياضة , وتنظيم المسابقات الرياضية , والتي انتشرت بين أبناء جميع الطبقات وشجعها الملوك لأهميتها في تهذيب الروح و تقوية الجسد .
ثم مرت القرون تلو
القرون وبقي اهتمام المصري بالرياضة , فظلت وسيلة ترفيه , وطريقة فعالة لتقوية
الأجسام , حتى جاء القرن العشرين الذي برز فيه شكل البطولات العالمية للرياضة –
وإن بدأ بعضها منذ نهايات القرن التاسع عشر – وأصبحت موضع اهتمام الدول الغربية
الكبرى التي أسستها , وكانت مصر في القرن العشرين دول رائدة على المستوى العربي
والافريقي , فكان من ابنائها من اشترك في تلك البطولات ليكون له قصب السبق على
المستوى العربي والافريقي , ومنهم من سجل ارقاماً قياسية اتجهت لها أعين الجميع من
العالم كله وجعلت مطمح الرياضيين هو تحطيمها , وكانوا مصدراً للفخر لبلدهم .
ونبدأ بالبطل المصري " اسحق حلمي " (1901- 1980) م , صاحب ألقاب "فرعون النيل" و " عميد السباحين المصريين " و " رائد السباحة المصرية الطويلة " , والده "عبد القادر حلمي " باشا , أحد قادة الجيش المصري , توفي والده وهو طفل , فنشأ في بيئة من الأعيان وكبار الملاك , وكان محباً لكرة القدم والفروسية و السباحة , وكعادة الطبقة الغنية كان مصيف رأس البر مقصداً لهم , وقد حدث في جلسة صيف 1920م , كانت تضم بطلنا "اسحق حلمي " و الملاكم "سيد البشلاوي " و "نجاتي بك أباظة " و "فيليب أوفارل " رئيس تحرير جريدة " اجيبشيان ميل " دار حواراً عن امكانية السباحة من دمياط لرأس البر بمسافة 15 كم تقريباً , فتحمس اسحق حلمي وعبر المسافة في ثلاثة عشر ساعة , وأقيم له احتفالاً شعبياً لاستقباله , فاعتبر حلمي ذلك بداية طيبة , فاراد زيادة المسافة ليسبح من حلوان حتى القاهرة بطول مسافة ٢٥ كم، فحقق ماتمناه , وأصبح حديث الوسط الرياضي , ووصف بالبطل السباح سليل الأسرة العريقة , وقد وصلته رغبة الملك فؤاد الأول بعبور بحر المانش , وكان يملك من الامكانيات المادية مايمكنه من التفرغ للتدريب , فكان في البداية يتدرب في الشواطىء المصرية , ثم سافر على نفقته الخاصة لفرنسا عام 1924م , وقابل السباح برجسون ثاني سباح في العالم يعبر المانش , فتولى اعداد حلمي , فقام بمحاولتين فاشلتين عامي 1924 , 1925م بسبب الأمواج العالية و البرودة الشديدة للمياه , ثم حاول مرة ثالثة عام 1926 م واستطاع الصمود لسبع ساعات ثم خرج من الماء , ليفحصه الأطباء ويكتشفوا اصابته بالبلهارسيا , فيتم علاجه هناك ليشفى منها و يعاود المحاولة للمرة الرابعة عام 1928 م , ويكتب له الفوز بعد 23 ساعة و 40 دقيقة , فكان بذلك أول مصري وعربي عبر المانش , فأطلق عليه الانجليز لقب "فرعون النيل" , وقد نال نوط الجدارة من الملك فؤاد الأول , وقد ترأس بعثة مصر في سباق كابري عام 1966 م , ونال وسام الاستحقاق من الرئيس محمد أنور السادات , وقد توفي عام 1980 م , بعد أن أصبح ملهماً لغيره من الأبطال في عبور المانش , نذكر منهم حسن عبد الرحيم الذي عبر المانش ثلاث مرات على التوالي "1948, 1949, 1950" م , وفي العام الأخير سجل رقماً قياسياً هو عشر ساعات و 53 دقيقة , وكان يبلغ من العمر 42 عاماً ويعتبر أكبر سباح للمانش وقتها , وكذلك البطل مرعي حسن حماد والذي عبر المانش عامي 1949, 1951م . وايضاً البطل عبد اللطيف أبو هيف عام 1951م , والأبطال عبد المنعم عبده، ومحمد بكر، وسيد العربي عام 1952م .
جمال عبد الناصر و عبد اللطيف ابو هيف |
كذلك لدينا بطلاً آخراً وهو سباح القرن
"عبد اللطيف أبو هيف " (1929 - 2008) م الرياضي الشهير , ابن حي" بحري " بالاسكندرية , ويعتبر الأكثر حظاً
اعلامياً , حيث كان يظهر في العديد من اللقاءات التليفزيونية يحكي عن تجربته
وتاريخه الرياضي , كما تم ذكره في أحد الأفلام الأمريكية للممثلة استير ويليامز
عام 1953م , والذي كان يتناول سباق المانش , وكان مجرد مرور البطل المصري بجوار
أبطال الفيلم مبعث للرعب من منافس لا يمكن الفوز في وجوده . وأبو هيف الذي تعلم السباحة
منذ طفولته , كان بطلاً على المستوى السكندري والمحلي , وكان البطل اسحق حلمي
قدوته , فخاض التجربة وفاز عام 1951م , وقابله الملك "فاروق" الأول عام
1952م , واراد تكريمه مع "حسن عبد الرحيم" و"مرعي حماد " الذين
سبقوه في الأعوام السابقة , وطلب منهم تمني مايشاءون وسوف يحقق طلبهم فوراً فطلب
"عبد الرحيم و حماد" امتلاك عمارة , والسفر للحج , أما أبو هيف فقد طلب أن يدرس في أكبر
أكاديمية عسكرية " بعد حصوله على الثانوية العامة , وخلال أيام سجل باسم
بطلينا , عمارتين في فم الخليج , ثم ذهب أبو هيف للدراسة بكلية "سانت هيرست"
العسكرية بلندن , ليزامل في الكلية الملك
"حسين " ملك الأردن و الأمير "زيد بن شاكر" قائد القوات
الأردنية والأمير دوق كينت ابن عم ملكة إنجلترا وكانت الدراسة لمدة عامين وقبلها
ثلاثة أشهر تمهيدي .وقد تخرج منها عام 1956م .
وعودة لبطولاته الرياضية فقد حصل على المركز الأول في سباق نهر السين بفرنسا عام 1952م , وقد تبرع بجائزته للبطل الفرنسي "جورج فاليري" بطل العالم في سباق الظهر عقب إصابته بشلل الأطفال , وفي عام 1953م تمكن من عبور المانش مرتين محطماً الرقم القياسي , في عام 1955م حقق المركز الأول في عبور المانش , وتبرع بالجائزة المالية للسباح الإنجليزي "ماتيوس ويب" الذي غرق في بحر المانش أثناء عبوره له بمفرده دون مركب مرافق , والغريب أن الصحف الانجليزية لم ترحم ذكراه , وأنما اتهمته بعدم المسئولية لأنه ترك أسرته دون عائل . وفاز بالمركز الأول في أطول سباق للسباحة الطويلة حول العالم في عام 1963م، و الذي أستمر لمدة 36ساعة في بحيرة ميتشجان بالولايات المتحدة الأمريكية بمسافة قدرها 135 كيلومتر , وفي استفتاء أجري عام 1963م , فاز بأفضل رياضي في العالم لهذا العام .
وكان صاحب المركز الأول في العديد من السباقات التي نظمت في
الأرجنتين والتي وصل إحداها إلى مسافة 250 كيلومتر بمقدار 60 ساعة سباحة من
روساريو إلي بوينوس آيرس . وكذلك الفائز بسباق كابري - نابولي
بإيطاليا عام "1966م " .
وفي عام 1965 م , بأحد أشهر سباقات التتابع , وهو سباق "مونتريال " - سباق التتابع فيه يتناوب سباحين السباحة كل ساعة – ولكن رفيق " أبو هيف " الايطالي مرض بسبب البرودة الشديدة وأضطر لمغادرة السباق مبكراً فأصر أبو هيف على الاستمرار بالسباحة بمفرده لمدة 29 ساعة ونصف وحصل على المركز الأول، وتقاسم الجائزة المالية مع زميله الايطالي .
وكان صاحب المركز الأول في العديد من السباقات التي نظمت في الأرجنتين والتي وصل إحداها إلى مسافة 250 كيلومتر بمقدار 60 ساعة سباحة من روساريو إلي بوينوس آيرس . وكذلك الفائز بسباق كابري - نابولي بإيطاليا عام "1966م " , وقد اعتزل السباحة عام 1973م , وعمره خمسة وأربعون عاماً .
وفي احدى اللقاءات التليفزيونية كان يحكي
بأنه قد تعود على التمرين اليومي لثمان ساعات لسنوات طويلة دون كلل . وقد حصل على
لقب سباح القرن العشرين في مايو 2001 وذلك بناء على اختيار الاتحاد الدولي لسباحة
المسافات الطويلة له تقديراً لإنجازاته، كما قام الاتحاد الدولي لمحترفي السباحة
الطويلة بمنحه لقب أعظم سباح في التاريخ . وقد استاء أبو هيف من عدم اختياره من
أفضل رياضي للقرن العشرين واختيار بيليه لذلك اللقب . وقد حصل على وسام الجمهورية
وسمي شاطيء شهير على اسمه بالأسكندرية وكذلك شارعاً . وقد أصيب بتليف الكبد وسرطان
الجلد وتضخم في الطحال، وأجرى العديد من العمليات الجراحية وقد رفض السفر إلي
الخارج للعلاج علي نفقة الدولة وفضل العلاج داخل مصر وأن يموت في بلده عندما يحين
أجله , وقد توفي عام 2008م عن 79 عاماً .
وإذا كنا قد بدأنا
"باسحاق حلمي " الذي طرق باب العالمية بمحاولات لعبور المانش بداية من
عام 1924 م , فإن من فتح الباب على مصراعيه للهمم المصرية , كان بطلنا "
السيد نصير " (1905-1979) م . الذي
كان أسطورة أخرى من أساطير الرياضة المصرية .
و"السيد نصير
" هو رباع شهير , من مواليد قرية شوبر مركز طنطا , التحق بمدرسة طنطا ثم
مدرسة طنطا الثانوية حيث بدأ ممارسة رياضة رفع الأثقال , فقد شاهد في مولد "السيد البدوي "ألعاب البطل
المصري القديم "عبد الحليم المصري "-صاحب الفضل في نشر لعبة رفع الأثقال
في مصر- ، فبدأ عشقه لرياضة رفع الأثقال وكون فريقاً لرفع الأثقال في مدرسته . ثم
اشترك عام 1925م في بطولة القطر المصري في وزني الخفيف والثقيل , وفاز بها وظل
محتفظاً بهذه البطولة حتى عام 1928م.
وكان ذلك حافزاً له
للاشتراك في دورة الألعاب الأولمبية بأمستردام عام 1928م ، واسند تدريبه للمدرب
"محمد بسيوني " .
ففاز بذهبية وزن خفيف الثقيل بمجموعة 355.5 كجم (ضغط 100 كجم - خطف
110 كجم - نطر 147.5 كجم) ليصبح أول مصري وعربي يفوز بميدالية ذهبية في الدورات
الأوليمبية.
وكان ذلك فوزاً على عدة
أصعدة مصر حيث لفت نظرالدولة إلى تشجيع هذه الرياضة وتوفير الأندية لممارستها ، وأصبحت
رياضة رفع الأثقال رياضة معروفة في مصر. حيث اقنع المدرب "محمد بسيوني "
بطلنا "نصير " بالانضمام للنادي الأهلي الذي سيوفر له كل الامكانيات ,
وكذلك سيكون قدوة لغيره من الشباب لممارسة تلك الرياضة - جدير بالذكر أن ثاني
ميدالية ذهبية حصلت عليها مصر في نفس تلك الدورة كان صاحبها المصارع "إبراهيم
مصطفى" السكندري (1904 -1968)م وفاز بميدالية ذهبية المصارعة الرومانية وتولى
تدريب منتخب مصر القومي للمصارعة, وتوفى وهو يقود منتخب مصر القومي للمصارعة في
دورة الألعاب الأوليمبية بالمكسيك عام 1968م , وكان تقليده الذهب في دورة هلسنكي
يسبق تقليد "نصير " .
ولم تقف النجاحات عند ذلك حيث فاز " نصير"
ببطولة العالم في رفع الأثقال للوزن الثقيل في ميونخ العام 1930 , وعام 1931م في لوكسمبورج . وكان "نصير " ملهماً لأمي الشعراء "أحمد
شوقي" حيث كان الرياضي الوحيد الذي نظم في مدحه قصيده , وكان مطلعها :
شرفا نصير ارفع جابينك
عاليا وتلق من أوطـانك الأكـليـلا
وقد حصل " نصير"
على وسام النيل في الأربعينات .
وقد ظل رقم النطر باليدين مسجلا باسمه لمدة 15 عاما وهو 167 كجم
ولم يتمكن من انتزاعه منه إلا مواطنه البطل المصري محمد جعيصه حيث سجل 170.5 كجم عام 1945م .
وتم تعيينه وكيل وزارة
الشباب , وكان مسئولا عن مجموعات الكشافة والمرشدات في تطهير مدينة بورسعيد ابان
العدوان الثلاثى 1956م . وحصل على وسام الرياضة من الرئيس جمال عبد الناصر في عام
1965م.
وقد توفي "السيد نصير" عام 1974م عن
عمر يناهز 69 عاما ، و سميت بطولة دولية تقام في الإسكندرية باسمه وبدأت منذ عام
1977م .
خضر التوني |
ومن الأبطال البارزين لدينا الأسطورة "خضر التوني " (1916- 1956)م , ابن القاهرة , من أسرة بسيطة ولكنه كان عاشقاً للرياضة , مارس رياضة رفع الأثقال بنادي شبرا الرياضي , ولتفوقه أعفي من رسم الاشتراك , شارك بمسابقة "كأس الشواربي " عام 1934م بنادي شبرا وفاز ببطولة وزن المتوسط بمجموعة 235كجم , وكان الفارق بينه وبين صاحب المركز الثاني بمجموعة 25 كجم , فشجعه ذلك للمشاركة خضر في نفس العام ببطولة مصر بصالة البلدية بالإسكندرية وسجل مجموعة 245 كجم .
فكان ذلك دفعه له للأمام ففي عام 1935م حطم الرقم العالمي في رفعة الضغط 106.5 كجم للمصري عنتر عرفه وسجل 107.5 كجم.
ثم كانت الخطوة الأكبر والتي سجلت اسمه في التاريخ الرياضي حينما شارك في دورة برلين الأوليمبية عام1936م , وكان عمره 19 عاماً فقط و وقد فاز على بطل ألمانيا وحصل على الميدالية الذهبية في وزن المتوسط بعد أن حطّم الرقم القياسي الأوليمبي ثلاث مرات، وبلغ مجموع رفعاته في هذه الدورة 387.5 كجم. في وقت كان الاتجاه لإثبات تفوق الجنس الآري قد بلغ ذروته , ومع ذلك قدر هتلر بطولة "التوني " وصافحه بحرارة .
و قد تم تسجيل إنجاز" التوني "في الكتاب الرسمي للدورة الموجود في العديد من المكتبات , والذي يحمل توقيع كل من حصل على ميدالية ذهبية ومن ضمنهم التوني .
ومن الطريف أن الاتحاد الدولي لرفع الأثقال لم يعترف بأرقام التوني التي حققها (قبل دورة 1936) ظنا منه أن هناك خطأ في البيانات التي أرسلت إليه , فلم يصدقوا أن هناك رباع في وزن المتوسط قد رفع هذه الأثقال.
وبعد قيام الحرب العالمية الثانية توقفت الدورات الأوليمبية , ثم عادت بعد انتهاءها , ولم تقف بطولات "التوني" عند هذا الحد , فقد شارك "التوني" في دورة لندن الأوليمبية عام 1948م , وكان يريد الفوز بالميدالية الذهبية , ولكنه أُصيب بالتهاب في الزائدة الدودية ، فأمرمحمد طاهر باشا رئيس البعثة المصرية في الأولمبياد بإدخاله المستشفى فورا لإجراء جراحة، لأن أي وزن زائد سوف يؤدي لانفجار الزائدة ووفاته , ولكن البطل التوني قلب الموازين , حيث وجدوه على ميزان الوزن مصمماً على رفع الأثقال ، حتى أنه حصل على المركز الرابع وسط دهشة الحاضرين.
ثم فاز "التوني " عام 1949م ببطولة العالم ، ثم بطولة العالم في الوزن المتوسط في العام 1950م .
وقد ذاعت شهرة التوني في العالم كله ولقبته الصحف العالمية ببطل أبطال رفع الأثقال , وأقوى رجل في العالم , والبطل الذي لا يقهر.
وقد توفي "التوني " شاباً عام "1956" م , صعقا بالكهرباء نتيجة حدوث ماس كهربائي وهو يحاول إصلاح الإضاءة في غرفة أبنائه ليواصلوا مراجعة دروسهم .
وقد أُطلق اسم خضر التوني على أحد شوارع القرية الأوليمبية في ميونخ تكريما له , عام 1972 م , وقد جاء هذا التكريم بعد 36 عاما من انتهاء دورة برلين، كما أُطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في الإسكندرية و مدينة نصر , وعلى أحد ميادين حلوان .
رحم الله أبطال مصر , ووهبها المزيد والمزيد من الأبطال .