التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


السبت، 23 يناير 2021

حِكَم الأجداد

 


     العقل زينة , الشرط نور , الصراحة راحة وغيرها الكثير من الحكم التي انتقلت لنا من جيل لآخر تحمل لنا خبرة وتجارب سنوات في جمل موجزة , لتعظ الناس وترشدهم , وقد وصلت إلينا شفاهية أو مسجلة في كتب التراث , وإذا انتقلنا لمرحلة أبعد أو مصر في العصور القديمة ذات الحضارة التي علمت العالم , نجد أن تعاليم الحكماء قد انتقلت إلينا عبر البرديات أو نقشت على جدران مقابرهم , لتكون ذكرى خالدة لهم بالخير والفضيلة .

    وفي مصر القديمة كان الموظف الكفء هو من يلم بنصائح وحكم المعلمين , فهو بذلك كمن يحمل شهادة علمية و فصاحة في الكلام وخبرة في فلسفة الحياة, وكان من عادة الكاتب المصري عندما ينال من العلم والخبرة الكثير ويحس بدنو أجله أن يعهد لشخص قريب منه بتدوين تعاليمه ليحفظها ويعمل بها وتورث من بعده .

   وأقدم التعاليم التي وصلتنا من مصر القديمة حفظت في المكتبة الأهلية بباريس مسجلة في بردية تسمى بردية "بريس " نسبة للعالم الفرنسي "بريس " الذى اشتراها من أحد فلاحي الأقصر وأهداها للمكتبة عام "1847م" وتحتوي على تعاليم الوزير والمعلم  "كاجمني " وسجلت في نهاية عصر الملك "حوني " آخر ملوك الأسرة الثالثة , ومنها مايتناول آداب الحديث , فيقول : "المتواضع الحذق يحالفه النجاح ويظل سليماً معافي" , "من يتخذ الاستقامة أساسا ً لعمله يمتدحه الناس" , وايضا تناول آداب المائدة , فقال: "إذا جلست مع أشخاص كثيرين فاصطنع كراهية الطعام , حتى ولو كنت شديد الرغبة فيه , إن قدحاً من الماء يروي الظمأ , وطبقاً بسيطاً يكفيك , فالقليل يغني عن الكثير" ,"إذا جلست مع شخص شره فلا تأكل إلا بعد أن يفرغ من وجبته ".

   وقد ورد في حكم "بتاح حتب " لابنه وكان  وزيراً في عهد الملك "جد كا رع – إسيسي " في عهد الأسرة الخامسة , نصائح عدة  منها ماورد عن تكوين أسرة صالحة , فقال له : " وإذا أصبحت رشيداً فأسس لنفسك بيتاً واتخذ لنفسك زوجة وأحبب زوجتك في حدود العرف , أو عاملها بماتستحق " .

    ومن عصر الانتقال الأول جاءت إلينا تعاليم ملك اهناسيا إلى ابنه الملك "مري كارع " في بردية سجلت في عهد الملك "تحتمس الثالث" وعرفت باسم بردية" لينجراد " , ليلقن ابنه خبرة سنوات من الحكم وتجارب الحياة , فقال له : "مجد العظماء , واعمل على سعادة شعبك فكم هو جميل أن يعمل المرء من أجل المستقبل . ولكن افتح عينيك , فقد يمتليء المرء بالثقة , ثم يتكشف الأمر عن حسرة لثقة جاءت في غير موضعها " . "أقم الحق طوال حياتك على وجه الأرض . وواسي الحزين , ولاتظلم الأرملة ولاتطرد رجلاً مماكان يمتلكه أبوه , ولاتلحق ضرراً بالقضاة فيما يتصل بمناصبهم وكن مدققاً حذراً حتى لاتظلم أحداً " . " ارفع من شأن الجيل الجديد , إن مجتمعك ملئ بالشباب الذين هم في سن العشرين , فزد من عدد أتباعك منه وزودهم بالثروة والحقول والماشية " .

   وفي عصر الدولة الوسطى ترك الملك أمنمحات الأول نصائحه لابنه سنوسرت الأول حيث تعرض لمؤامرة من أعوانه , فقال له : " احذر اتباعك , لاتقربهم  و أنت بمفردك , ولا تملأ قلبك بأخ , ولا تصاحب صديقاً , ولاتثق بأحد من الأتباع وتقربه إليك , فهذه أمور لاجدوى منها " .

   وفي المتحف المصري توجد بردية  الحكيم "آني" موجهة لابنه "جنس حتب " في أمور الحياة اليومية من آداب الزيارة وحب العمل والبر بالوالدين والتبكير بالزواج المبكر , وحسن اختيار الأصدقاء , وفضل الأم وحسن معاملة الزوجة ومعاملة الرؤساء .

   وفي المتحف البريطاني توجد بردية نصائح "آمون أم أوبت " لابنه "حور ما خر " وترجع للدولة الحديثة وقد كتبت بأسلوب شعري , وتحض على الأخلاق والصبر والتواضع وسلوك وواجبات الموظف في عمله .

  وفي العصور المتأخرة توجد تعاليم "عنخ شاشنقي" الموجهة لابنه و يرجح أنها في القرن الخامس أو الرابع قبل الميلاد . وتبين التعاليم أن "عنخ شاشنقي" هو كاهن للإله "رع" بمدينة "أون " وقد سجن لإتهامه بقتل الفرعون , وقد تميزت بالطابع العملي البعيد عن الفلسفة وتوضح لنا أنه رجل فلاح عاش حياة الريف في مجتمع في فترة صعبة جعلت احياناً المصلحة الشخصية في المرتبة الأولى , وتميزت كذلك بحس الدعابة , فقال لابنه : "إذا وهبوك جزاء الغباء , فاجعل  التعليم إذن خصيمك " , ونبه لقوة الإله بقوله " عندما يكون رع غاضباً على الأرض , فإن حاكمها يهمل القانون " , وقال :" وقر إلهك فهو القادر على حمايتك , ولاتقصر في خدمته " . ومن النصائح الأخلاقية : "اعمل على تعليم ولدك أن يكتب وأن يحرث وأن يصيد وأن يستخدم الشص على مدار العام , فأنه بذلك سوف يجني الفائدة بما يعمله " . "لاتقل الآن هو صيفاً , فهناك شتاء قادم , فمن لم يجمع حطباً في الصيف أعوذه الدفء في الشتاء " , "لو أنك عملت , فالأرض لن تبخل عليك " , " إن ثروة قليلة مع الاحترام تساوي نهر النيل في زمن الفيضان " , " عندما تعطي شيئاً تملكه إلى أي شخص , فاجعله مصحوباً بالكلمة الطيبة , عندئذ يصبح هبتين وليس هبة واحدة " . "لا تتشاجر مع أحد في أمر أنت مخطئ فيه " , " لاتقل , لقد أديت معروفاً لهذا الشخص ولم يشكرني عليه" , " لاتقترض مالاً لكي تعيش ميسوراً منه , واقترض مالاً فقط للضرورة كاتخاذ زوجة أو شراء أرض زراعية " , "احذر أن تتخير لنفسك إمرأة سيئة الطبع , حتى لاتورث ابنائك تربية فاسقة " , لاتهجر امرأة في دارك لأنها عقيم " , " لاتنتهك حرمة امرأة متزوجة " , " تحر عن كل أمر تعرفه " , " لاتشاور عالماً في أمر تافه إذا وجد أمر جليل , ولا تشاور جاهلاً في أمر جلل إذا وجد عالم تستطيع أن تشاوره " ., " لاتكن حذراً في موقف سيء يحتاج المواجهة " , " لو وصلت للقمة وكسبت ممتلكات عدة , فاجعل أخوتك عظماء معك " , " لاتبع منزلك ومصدر دخلك يوماً ما لغرض أو مصلحة , ثم تصبح فقيراً للأبد , ولاترسل أحداً للمدينة متى توقعت متاعب فيها, ولاتتسرع في الذهاب إلى القاضي ثم بعد ذلك تنسحب من أمامه , ولا تكن مثبط الهمة في كل أمر مايمكن أن تسأل فيه النصيحة , ولاتقل انتهى مرضي , فلن آخذ الدواء " .

   وبذلك كانت السمة العامة لنصائح أجدادنا في مصر القديمة هي غرس الأخلاق  الصالحة وترسيخ القيم الأسرية و البعد عن العنف والصبر على الشدائد والحكمة في التصرف فما ترك بين سطور البرديات لايختلف كثيراً عمايتردد الآن على ألسنتنا في الحض على التمسك بالأخلاق الكريمة .  

الثلاثاء، 19 يناير 2021

نمور سري لانكا البشرية

   هي جماعة عسكرية أشعلت حرباً أهلية دامت ثلاثة عقود فكانت أطول حرب أهلية في آسيا , أسالت من الدماء الكثير واستهدف غضبها ذوي المناصب السياسية الهامة قامت في  "سري لانكا " عام 1976م وقدر عدد ضحايا حوالي مئة ألف قتيل معظمهم من المدنيين العزل , وقد  اطلقوا على أنفسهم "جبهة نمور ايلام - تاميل " واتخذوا من النمر المزمجر والذي يحيط به سلاحي سنكي والرصاصات رمزاً لهم . وإذا أردنا أن نعرف مالذي أثار غضب هؤلاء ليدفعهم لتكوين جبهة للقتال , لابد أن نعرف في البداية الظروف المحيطة بهم ؟     

رمز جبهة نمور ايلام تاميل 

 

على جزيرة  "سري لانكا" أو سيلان سابقا التي تقع في أقصى جنوب شرق الهند ويفصلها عنها مضيق" بالك " , والذي لايزيد عرضه عن 32كيلومتراً مربعاً , يقسم عدد السكان - حوالي 22 مليون نسمة - إلى قسمين : الأول : "سنهال " ويشكلون "70%" من السكان ومعظمهم يدين بالبوذية , والثاني : "تاميل" ويشكلون "23%" من عدد السكان معظمهم من أصول سريلانكية , و "6%"  من أصول هندية جلبتهم بريطانيا للعمل في زراعة الشاي .

    ويدين التاميل بالهندوسية , و"20%" منهم يدينون بالاسلام , "6%" يدينون بالمسيحية , ويتركز التاميل في شمال وشرق الجزيرة . أما باقي سكان سري لانكا فهم من أصول عربية وملايوية وأندونيسية . ونجد أن كلا من السنهال والتاميل لهم نفس الملامح والصفات الجسمانية للهنود في لون البشرة والأجساد النحيلة .

اللون الأخضر يوضح تركز التاميل في سري لانكا 

وللتاميل لغة خاصة تمسكوا بها , رغم أن أغلبية السكان يتحدثون السنهالية , ويغلب عليهم الأمية والفقر في حين أن التاميل هم من يملكون السيطرة الاقتصادية وقد نالوا دعم بريطانيا التي جعلتهم في الصدارة في ادارة البلاد , لذلك كانت الخطوات الأكيدة لسري لانكا نحو التقدم وخاصة بعد أن نالت استقلالها عام 1948م , أن تغير من تلك الثوابت , فضم أول برلمان "58" "من السنهال" 29 "من التاميل و"8" مسلمين. وبذلك امسك السنهال بزمام الأمور , وظهرت مجموعة منهم من المثقفين وصناع القرار , وظهرت العصبية الطائفية وفضلت البوذية عما سواها من أديان للتاميل , بل ونزعت الجنسية السريلانكية عن مليون تاميلي بحجة أن بريطانيا أتت بهم من الهند , وأقصي ثلث نواب البرلمان التاميليين , وأقرت السنهالية لغة رسمية وحيدة , وأممت المدارس التاميلية , لمنع تدريس لغتهم  , فغادر آلاف الموظفين التاميل لعدم قدرتهم على استخدام لغة السنهال , وحل السنهال محلهم .

 

 


مظاهرات طلاب التاميل 

 

تفجيرات التاميل 

   وأوغرت صدور التاميل بالكراهية بعد أن باتوا في أوضاع سيئة , وارادوا تكوين وطن خاص لهم بلغته التاميلية  , فلجأوا لاستعمال القوة وكونوا جبهة مسلحة اطلقوا عليها  " نمور التاميل " عام 1976م  وتركزت تلك القوات في شيه جزيرة جفنة في الشمال , وحصلت على مساعدات مالية وأسلحة من تاميل جنوب الهند , فقامت حرب عصابات على الحكومة السريلانكية عام 1983م , وبلغت ذروتها عام 1987م , فكان على حكومة الجارة الكبرى الهند التدخل للصلح عام 1987م , حيث ارادت أن تصبح قوة اقليمية  - وكان وقتها رئيس الوزراء راجيف غاندي – وعقد الطرفان الصلح على البنود الآتية :

-        أن تدير المقاطعات الشمالية والشرقية ادارة تاميلية ويقتصر عملها على الادارة وحفظ الأمن كخطوة لتحقيق الحكم الذاتي .

-        نزع سلاح التاميل وخاصة نمور التاميل , وأن تدخل الهند بقوات لحفظ السلام في سري لانكا.

-        إعادة توزيع السكان التاميل وعودة التاميل الهنود لأراضيهم  وكذلك تاميل سري لانكا لأراضيهم .

وعارض السنهال الاتفاقية بمختلف طوائفهم الشعبية والسياسية والدينية لأنهم رأو أن التاميل ينالون حقوقاً لايستحقونها , وكذلك اعترض التاميل على الاتفاق , وعادوا لحمل السلاح والذي لم تسمح به الهند فزادت الهند من قواتها إلى 30 ألف جندي وحاصرت مضيق "بالك" لمنع الامدادت العسكرية للتاميل . واستمرت الحرب الاهلية السريلانكية لسنوات عديدة بين الحكومة وبين نمور التاميل وانتقلت من الشمال لمركز الحكومة في العاصمة "كولومبو", وراح ضحية تلك الحرب حوالي 100 ألف من الجنود والمدنيين العزل من السنهال والتاميل  , وضربت فيها اهداف اقتصادية بواسطة عمليات انتحارية وراح ضحيتها مئات من المدنيين حيث تم تفجير المركز التجاري الدولي بالعاصمة , وتفجير البنك المركزي , تفجير فندق الميريديان , كما قام التاميل باستهداف شخصيات سياسية – منها ماتم  قبل أن تظهر النمور عام 1976م – حيث تم اغتيال زعيم الاستقلال "باندرانيكا" عام 1959م , السياسي "بريماداسا"عام 1993م , رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي عام 1991م , بباقة زهور ملغومة راح ضحيته مالايقل عن 13 ضحية أخرى , وعشرات المصابين , ثم اغتيال مرشح الرئاسة "جاميني ديسكانيا" عام 1994م , وتدمير موكب رئيسة الوزراء تشاندريكا باندرانيكا" ومقتل عدد كبير من الحرس واصابة وفقد عينها اليمني عام 1999م , ولم يكن كل شعب التاميل في تعاون مع جبهة نمورهم في أعمال العنف , فقد رفض مسلمو التاميل التعاون معهم ضد الحكومة فتعرضوا للقتل وتدمير المنازل والطرد , فكان كثير منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين , كما تم تفجير كنيسة نافالي ومقتل العديد من المدنيين , وكان أطفال المدارس يتم خطفهم وقتلهم أو دفنهم أحياء . ولم تنتهي أطول حرب أهلية في آسيا إلا بعد مقتل برابهاكاران زعيم نمور التاميل عام 2009م على يد الجيش السريلانكي في كمين والذي بدأ حياته بأولى عملياته باغتيال رئيس بلدة جافني عام 1975م , ولم يمنح الوقت بتناول كبسولات السيانيد التي كان معتاداً تناولها من قبل عناصر نمور التاميل عند القبض عليهم وصفيت مراكز قوة النمور الثلاثة: السياسية , والمنظمة لجمع الأموال للتمويل , والعسكرية بقوتها البحرية التي اعتمدت على الزوارق الخفيفة بعد أن دمرت تقريبا نصف القوات البحرية الحكومية , ونمور الجو وتمتلك خمس طائرات خفيفة وهي الجهة الارهابية الوحيدة في العالم التي تمتلك قوة جوية , والنمور السود صاحبة العمليات الانتحارية , وأخيرا جناح المخابرات وذبح بذلك النمر الغاضب المتعطش للدماء  .

 

راجيف غاندي 

 

برابهاكاران 


    وسري لانكا الآن تحاول التعافي من تلك الحرب المدمرة , ولكن جارتها الكبرى الهند لاتراها بعين الرضا فقد استعانت في اقامة المشاريع الضخمة بمنافسة "الهند" العتيدة "الصين "  , فقد رأت سري لانكا أن الارتماء في احضان الصين البعيدة التي تحترم البوذية خير من الجارة الهندوسية التي كان بعض مواطنيها مستحوذين على خيراتها فيما مضى و ايضاً السبب في تمويل حربهم الأهلية . 


الجمعة، 1 يناير 2021

المولود الجديد مابين أسطورة فرس النهر و طائر اللقلق

  

 

طائر اللقلق الأبيض جالب الأطفال في الأساطير الأوروبية 

 

فرس النهر حامي الأم والمولود في مصر القديمة 


طالما كان ميلاد طفلاً هو شيء سار ومحبب لكل أسرة , فكان ذلك الكائن الصغير الضعيف مستأثراً بالجهد والعطف والحماية , والأم تكون متكررة الزيارات للطبيب منذ بدايات الحمل وحتى  ما بعد ولادة الطفل , فكلاهما يحتاجان للرعاية الصحية , ولكن في الأزمنة القديمة لم تكن التطعيمات واللقاحات والعناية الطبية كما كانت عليه في آيامنا هذا , وكان وفاة المواليد الصغار شيء وارد , بل وكانت حياة الأم مهددة بالخطر منذ بدايات الحمل , فكان لابد من اللجوء بقوى عظيمة لحماية الأم والمولود .

   

 


 


 تماثيل مختلفة لأنثى فرس النهر الحامية 

     

 وفي مصر القديمة على الرغم من تقدمهم الطبي إلا أنهم لجأوا لمعبودة حامية 

للأم آثناء الحمل والولادة وكذلك للوليد  , فكانت أنثى فرس النهر أو "إبي " 

بمعنى المرضع الحاضن و ظهرت تلك التسمية في نصوص الأهرام في الدولة 

القديمة ,  ثم اسم "ررت" والذي ظهر في الدولة الوسطى , ثم "تا ورت" في 

الدولة الحديثة  , وهي معبودة حامية منزلية استعان بها المصري كتمائم ونقوش 

على الأسرة و الأثاث و أدوات الزينة وكل مايشير بدلالات للخصوبة وكذلك

 على العصي السحرية للولادة , وقد ارتبط هذا الحيوان في ذهن المصري القديم

 بالبطن الممتلئ كرمز الخصوبة والحمل , وكذلك لاحظ شراسة هذا الحيوان

 واستماتته في الدفاع عن صغاره فوجدوا فيها المعبودة الحامية , وصورها

 المصري القديم كأنثى فرس نهر تقف على قدميها الخلفيتين وهما قدم أسد ولها 

بطن كبير وثديين متدليتين و ذيل تمساح , وجمع المصري القديم بين الثلاث

 حيوانات الشرسة زيادة في الحماية . وقد أضاف لها أحياناً الشعر المستعار , أو

 تاجاً يتخذ شكل قرص الشمس مابين قرني بقرة , وتعلوه ريشتان عاليتان .


اللقلق والأطفال في أفلام الكارتون 

   أما في التراث الأوروبي ارتبط كائن آخر بالحمل والميلاد , وهو طائر اللقلق – وإن ابتعد عن تعاويذ الحماية التي ارتبطت بها أنثى فرس النهر في فكر المصري القديم – ففي التراث الأوروبي كان الإجابة المعتادة للأطفال عند سؤالهم لذويهم كيف أتوا للحياة  ؟ فتكون الإجابة  : طائر اللقلق , فالأسطورة تروي أن طائر اللقلق الأبيض يطير حاملاً قماشة تحمل الوليد الجديد وتضعه على عتبة منزل الوالدين , فالأطفال الصغار أصغر من أن يدركوا كيف جاءوا لهذه الدنيا , وربما كانت تلك الفكرة ماثلة في اذهان ذويهم فترجموها لتلك الأسطورة , فطائر اللقلق الذي يغادر أوروبا للجنوب بحثاً عن الدفء في نهاية فصل الصيف يعود إلى دياره بعد تسعة أشهر في شهري مارس و أبريل و كأنها رحلة جنين من التكوين للولادة , وكانوا يظنون أن ابناء مواليد شهري مارس و أبريل كانوا نتاجاً لحفلات الزفاف الجماعي التي كانت تتم في منتصف الصيف يوم 21 يونيو , وكان يقام حفلاً منذ أن كانت أوروبا في عصور الوثنية للاحتفال بالحصاد والخصوبة , فكأن اللقلق يعود للديار مع مولد أولئك الأطفال وكأنه يجلبهم لأسرهم , وقد ظهرت تلك الأسطورة في قصص الأطفال الغربيين وفي أفلام الرسوم المتحركة أكثر من مرة .    

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

الفينيقيون أسياد البحار في العالم القديم

السفن الفينيقية تجوب البحار 
 

    ماذا يفعل الانسان إذا وجد نفسه يعيش على شريط ساحلي ضيق , لايزيد طوله عن مائتي ميل , ولا يزيد عرضه على 35 ميل , كثير الخلجان , متعدد المواني , يحده من الشرق الجبال المغطاة بأشجار الأرز والصنوبر والسرو التي قد تقترب من الساحل في بعض المواضع لتلاصق البحر , فتفصل أحيانا كثيرة بين الأقاليم الناشئة على الساحل , و جزر قريبة من الساحل انتقل ايضا للعيش عليها . ذلك كان حال الانسان الفينيقي في العصر القديم أو مايسمى الآن بلبنان .

من الآثار الفينيقية 

وتعد فينيقيا من أصغر دويلات العالم القديم , عرف سكانها الاستفادة من امكانياتهم الطبيعية ليكونوا حضارة عابرة للحدود , فقد كان عدد السكان يزيد ومساحة أراضيهم محدودة للسكن والزراعة , وكانت الغابات القريبة منهم غنية بالخشب الذي يصلح لبناء السفن , فكانت البداية بصيد الأسماك والبحث عن الزجاج أو الصلصال , ومبادلة السلع البسيطة مع المناطق المحيطة , ثم زادت الرغبة في ركوب البحر بعد القرن الثالث عشر الميلادي , حينما ضغط عليهم الأراميون في وسط سوريا , وأحاط بهم الاسرائيليون والفلسطينيون من الجنوب . فكان الحل الوحيد هو الهجرة بأعداد كبيرة .

سفينة فينيقية ضخمة 

وكانت البداية عندما كونوا محطات ومراكز في الأماكن التي تستقر بها سفنهم , فكانت في أول الأمر أماكن للراحة لأيام معدودة ,ثم زادت وتوسعت الأعداد وطالت فترات الاقامة , وخلال هذا التطور زادت قدراتهم البحرية فصنعوا في البداية الزوارق المكشوفة التي لاتقدر على مواجهة الأمواج العاتية , ولاتحمل سلعاً كثيرة , مصنوعة من خشب الأرز , مدهونة بالقار النباتي الذي قد يسرب الماء , ثم تطورت القوارب لسفن أكبر حجماً ذات مجاديف وأشرعة .

طرق التجارة التي سيطر عليها الفينيقيون 

  ثم أصبحت صناعة السفن الضخمة من اختصاصهم وبعدت بهم المسافات وبرعوا في فن الملاحة واستعانوا بالنجم القطبي , وأبحروا ليلا بالاستعانة بالنجوم , حتى أن أسماء النجوم الاغريقية هي نفسها الأسماء الفينيقية , وكانت لهم خطط مرسومة ولهم من الخبرات الطويلة أن سلكوا طرقاً بحرية لم يعرفها غيرهم وأصبحوا أصحابها .

  مثل طريقهم الأشهر الذي يمر من صيدا إلى صور ثم يمر بمصر أو يتجه لقبرص ثم يتجه غرباً إلى طوروس وليسيا  , عن طريق رودس وكريت ثم صقلية , ثم شمال أفريقيا ثم أسبانيا , وكانت لهم طرق أخرى تتجه للشمال أو الجنوب , فكانوا أول أمة بحرية في التاريخ جمعت بين نشاط البر و البحر .

  وكان من تقدمهم في انشاءالمراكز أن كانت لهم مراكز داخلية تصل موانئهم بالخليج العربي منها " اديسا" أو أورفة حاليا بتركيا ,وكانوا تجارا مهرة يأخذون الفضة و الحديد و القصدير والرصاص من أسبانيا , والرقيق و أواني النحاس الأصفر من" ايونيا "تقع قرب ازمير بتركيا حاليا , والكتان من مصر والخراف والماعز من شبه الجزيرة العربية , وذكر "هيرودوت " أن توابل بلاد العرب كان الفينيقيون يجلبونها ايضا.

   وإذا كان الفينيقيون قد تاجروا وبرعوا في الملاحة و أنشئوا محطات للاستراحة , فقد تطور الأمر حتى وصل لإنشاء مدن فينيقية , أما إذا كان الفينيقيون يتعاملون مع حكومات قوية فإنهم يكتفون بوكالات تجارية , وبشراء حق حرية التجارة , حيث ذكر هيرودوت أن الفينيقيون استقروا عند مصب النيل ويقصد "منف" وكونوا حياً سموه "معسكر الصوريين " وكان به معبد حسب وصف المؤرخ أنها " أفروديت الاجنبية " ويرجح أن لعشتار .

آثار فينيقية 

  وكان لفينيقيا سلعاً محلية اشتهرت بها , وهي : الخشب والقمح و الزيت و الخمر , فأخشاب فينيقيا الجيدة كانت تستوردها مصر والعراق لبناء المعابد والقصور وقوارب الصيد والسفن التجارية والضخمة أما الاخشاب المستقيمة والمستديرة فقد طلبت لذاتها ثم لاستجراج القار والراتنج العازل للماء اللازم للسفن وكانت اليونان تستورد أخشاب الأرز , ثم تطورت صناعتهم فاشتهروا بصناعة المنسوجات والصناعات المعدنية.

آثار فينيقية 

  ولشهرتهم استعان بهم حكام العالم القديم في الرحلات البحرية , مثل "نخاو الثاني" ملك مصر , "610-590ق.م " في رحلته حول افريقيا عن طرق رأس الرجاء الصالح في رحلة استغرقت ثلاثة أعوام . و آيضا النبي سليمان عليه السلام "960-922ق.م " اتفق مع "حيرام " ملك صور , على انشاء اسطولاً في ميناء "عصيون جابر " بالاستعانة بالبحارة الفينيقيين , وايضا ذكر في التوراة أن "حيرام " ارسل اسطوله مع اسطول "سليمان " عليه السلام إلى "أوفير " – يرجح أنها جنوب غرب الجزيرة العربية - , وأتى من هناك بالذهب والأخشاب النادرة و الأحجار النفيسة .

   وجدير بالذكر أن الفينيقيون كانت لهم سياسة خاصة في تكوين محطات الاستقرار أو المدن الجديدة , كانوا يدخلون بأعداد القليلة حتى لايثيرون أي شك , وكانوا يتداخلون سريعاً مع المجتمع المحيط خاصة أنه لم يكن لهم توجه سياسي معين , وبعد أن يتم الاستقرار يبدأون بالتواصل مع المدن الفينيقية الأم , وارسال منتجات البلاد المضيفة إليها .

مستعمرات فينيقية 

   فانتشرت مستعمراتهم من رأس الدلتا بمصر وحتى ساحل قليقية باليونان , وكذلك في جزر المتوسط في قبرص ورودس ثم صقلية و سردينيا , ثم وصلت حركة انشاء المستعمرات لذروتها في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد . بأشهر المستعمرات قاطبة وهي" قرطاج " في تونس , وقد تخطوا مضيق جبل طارق للمحيط الأطلنطي , وأنشأوا مستعمرة "قادس " قرب مصب الوادي الكبير على شاطئ أسبانيا الغربي , حيث كانوا يشحنون الفضة الأسبانية .

  وكانت في أسبانيا ايضاً مستعمرات فينيقية , منها : "مقة" أو ملاكة بالفينيقية ومعنى اسمها "دكان " أو معمل صغير , ويذكر "سترابو" أن الفينيقيون كان لهم مكاناً لتمليح السمك, وعثر في  "قرطبة  على نقود تحمل حروفاً فينيقية .

   وكانت أهم مراكزهم في جزر المتوسط هي صقلية ,و كانت محطة لسفرهم لمضيق جبل طارق , فكان لهم محطة في "بانورموس" أو باليرمو على أحد الخلجان و"سوليئس" عند أحد الرؤوس , و "موتيا" على جزيرة في بطن الخليج شمال رأس ليلييه , والتي كانت القاعدة الأساسية التي انطلقت منها قرطاج في حروبها الصقلية حتى حوصرت ودمرت عام  398 ق.م.

     ويذكر ديودور الصقلي أن الفينيقيون اتخذوا من مالطا وجولوس مراكز لسفنهم حيث تربط شرق المتوسط وغربه .

   وقد عثر في "سولكس" بسردينيا على فخار فينيقي , وكذلك في "كارالس "كالياري حالياً , أما "نورا" فكان بها قلعة فينيقية ومقابر من القرن السادس ق. م ومابعده وايضاً معبداً للمعبود "تانيت " ومجموعة كبيرة من اللوحات والأواني الجنائزية.

    أما بلاد اليونان , فقد انتشرت بها الأسماء السامية , وبعض المعبودات اليونانية تأثرت بالديانة السامية .

   أما أعظم المدن التي أسسها الفينيقيون خارج لبنان كانت "قرطاج" بالقرب من مدينة "تونس" حالياً , تأسست عام 814 ق.م , واسطورة نشأتها تروي أن "اليسا" ابنة ملك صور "متان" , هربت لشمال أفريقيا بسبب ظلم أخيها " بيجماليون " وسميت بالمدينة الحديثة أو " قرت حدشت " ثم حرفت إلى "قرطاج " .

  وكانت "قرطاج " تابعة لصور ترسل لها كل عام عشر دخلها , وكذلك رسولاً يقدم القرابين لمعبود صور" ملقارت ". ولكن بعد أن هجمات الملك البابلي "نبوخذ نصر" "605-562ق.م "  ضعفت "صور" " فتولت "قرطاج" زمام السلطة منها في سيادة مستعمرات فينيقيا في وسط البحر المتوسط , بل أسست مستعمرات جديدة مثل مستعمرة جزيرة "اليسا" بين سردينيا واسبانيا , ومستعمرة على شواطئ "مينوركا " بجزر البليار .

   غير أن الظروف تغيرت وقويت شوكة أمة بحرية تجارية ارادت أن تنافس "قرطاج" وهم اليونانيون , فكانت البداية في صقلية مع بدايات القرن السادس قبل الميلاد , فلم تستطع "صور" أن توقف  الطموح اليوناني في الفوز بالجزيرة حيث كانت تتعرض لهجمات آشورية وبابلية كلدانية , فتصدت "قرطاج" لتلك المطامع اليونانية , ثم حطت العناصر اليونانية على الساحل الليبي في "طرابلس" لمنافسة "قرطاج" , وظهرت "فارس" كقوة منافسة فقد دخلت مصر عام 525ق.م , فتطلعت للمراكز الفينيقية في شمال افريقيا ومنها "قرطاج" , فحدث الصدام بين الطرفين , ولكن البحارة الفينيقيون امتنعوا عن تنفيذ أوامر الأسطول الفارسي .

   ثم نشبت الحرب بين اليونان و"قرطاج" , عام 550ق.م , ونجح ملك قرطاج "ملخوس" في هزيمة وطرد اليونانيين في صقلية , ولكن ذلك لم يدم فقد هزمه اليونانيون في سردينيا فكان عقابه النفي من "قرطاج" على يد مواطنيه , فتحول للحرب ضد "قرطاج" وتولى حكمها عنوة , ثم جاء ابنه "ماجون" وكان ملكاً قوياً , وفي عام 535ق.م , انتصر الأسطول الفينيقي على غريمه اليوناني , ونتيجة لذلك طرد القرطاجيون اليونانيين من "كورسيكا" وأحلوا محلهم أهل "اتروريا" .

  وقد كان لأهل "قرطاج" أكثر من مكان في اسبانيا , فأصبحت سيطرة قرطاج على سواحل المتوسط تبدأ من حدود ليبيا حتى أعمدة "هيركوليس"أو مضيق جبال طارق  وجزر المتوسط البليارد ومالطة وسردينيا , وخرجت لسواحل أسبانيا والغال , فإذا كانت صيدا وصور لم تستطع أن تكون امبراطورية لقوة مصر وآشور , فقد استطاعت قرطاج  ذلك .

 وطوال القرن الخامس قبل الميلاد كانت "قرطاج" في حروب على أرض صقلية , فاستقوت قرطاج بقوة ناشئة هي "روما" فدخلت معها في حلف عام 509ق.م . ولكن السلام لم يدم مع روما فقد اصطدمت القوتان في حرب سميت بالحرب البونية الأولى "268-241ق.م " كان النصر البحري فيها للرومان , ولكنهم فشلوا في افريقية , فاستعانوا هذه المرة بأهل صقلية ضد قرطاج فكان النصر حليفهم .

  وظل الثأر يشغل بال أهل قرطاج فكان القائد القرطاجي "هانيبال" أو "حاني بعل " بمعنى "نعمة بعل" واحد من هؤلاء وظل الثأر مراده حتى شرع الهجوم على روما في عقر دارها , ملتفاً حولها من أسبانيا ماراً بجبال الألب , في قتال استمر 15 عاماً هوجمت فيها  "روما" نفسها " , إلا أن الرومان وجدوا أن الحل في مهاجمة قرطاج ليسرع بنجدتها "هانيبال" ويخفف من وطأة قبضته على روما وبالفعل تم استدعائه لأفريقية  لمهاجمة الرومان لها فحدث اشتباك في معركة ضخمة سميت بمعركة "زاما" عهام 202ق.م . هزم فيها الجيش القرطاجي المنهك في حروب دامت طوال 17 عاماً خارج أراضيه , وطلب مجلس الشيوخ القرطاجي السلام من روما .

    ولكن "هانيبال " لم يستسلم فقد هرب عام 196ق.م إلى صور , ثم اشترك مع  ملك سوريا "أنطيوخس" في حربه ضد روما , التي كان النصر حليفها , فانتحر لذلك "هانيبال" عام 183ق.م .

    ولكن مازال في قلوب أهل قرطاج الرغبة في الحكم والسيادة في غرب المتوسط وكذلك الانتقام فقامت الحرب البونية الثالثة "149-146ق.م " انتصر فيها الرومان ووجدوا الحل في تخريب قرطاج تماماً وحرقت لمدة 17 يوماً . وحرم بناء أي مساكن موضع المدينة التي خربت , ثم جاءت روما بعد ذلك بأربع وعشرين سنة لتبني مدينة رومانية جديدة محلها .

  وللفينيقيين مستعمرات أخرى غير قرطاج في شمال افريقيه , منها "اوتيكا" أو عتيقة بمعنى القديمة حيث كانت أقدم مستعمرة فينيقية في شمال أفريقيا أسستها "صور" عام 1100ق.م . عند مصب نهر بجراداس أهم أنهار تونس , وهناك مدينة "هيبو" أو بنزرت الحالية وكانت ميناءاً كبيراً على بحيرة بنزرت , وايضاً توجد مدينة "ليبتس " بجوار خليج سرت ولم يكن لها مرفأ سوى مصب نهر , وهناك   ميناء فينيقي جنوب "موجادور" الحالية على شاطيء المغرب بين الدارالبيضاء وأجادير وكان ذلك أبعد ميناء فينيقي على ساحل شمال أفريقيا.


السبت، 19 ديسمبر 2020

المملكة شبه المتحدة " أوراق من الصراع الأيرلندي الانجليزي "

نائب رئيس وزراء أيرلندا الشمالية الأسبق وأحد قادة الجيش الجمهوري في الماضي يصافح ملكة انجلترا 

  منذ أن تألق لاعب الكرة المصري محمد صلاح نجم فريق ليفربول الانجليزي , ازداد انتباه الجماهير المصرية و العربية للدوري الانجليزي , والذي يعتبر من أشهر و أقوى بطولات الدوري على مستوى العالم , وبوجه عام فإن المنتخب الانجليزي فريق لا يستهان به , فكرة القدم الانجليزية هي بداية كرة القدم الحديثة , والمنتخب الانجليزي كان شريكاً في أول مباراة دولية ضد المنتخب الاسكتلندي وذلك عام 1872م , والمفروض أن تلك مباراة دولية بين دولتين متنافستين  إلا أن انجلترا و اسكتلندا كانتا جزءاً من دولة واحدة يحكمهما حاكم واحد, ومع ذلك تلعبان ضد بعضهما وحتى الآن ذلك الوضع مستمربالإضافة لمنافسهم الأخ اللدود المنتخب الأيرلندي , وقد البعض يتساءل عن سبب الفرقة وقد لايعبأ البعض  فالمهم عنده مشاهدة المباراة .

 

شعار منتخب انجلترا 

 

شعار منتخب اسكتلندا 


شعار منتخب ايرلندا الشمالية

 

    شعار منتخب ايرلندا 

   والبعض منكم ايضاً قد شاهد فيلم التسعينات الشهير"Braveheart"أو القلب الشجاع – انتاج 1995م - للنجم "ميل جيبسون" ووجد فيه حروباً دموية بين انجلترا واسكتلندا وفيه انضمت أيرلندا إلى صف اسكتلندا , ومنكم من شاهد أفلاماً هوليودية شهيرة مثل فيلم "براد بيت وهاريسون فورد" " The Devil's Own – انتاج "1997"م- و فيلم الجميلة" جوليا روبرتس"  "Michael Collins "- انتاج 1996م- فوجد أن  العلاقة بين بريطانيا الأم و التي تمثلها انجلترا شديدة القسوة على الجزء الايرلندي والذي كان يرد بالعنف والثورة والتفجيرات لذلك ليس مستغربا لمن طالع التاريخ أن يجد تعاطف الشعب الأيرلندي مع القضية الفلسطينية بعد أن زرعت بريطانيا الكيان الصهيوني في أراضيهم بوعد وزير الخارجية "بلفور" بوطن لليهود على أرض فلسطين عام "1920"م ,  وكانت منظمة التحرير الفلسطينية حريصة منذ بدايتها على إقامة علاقات قوية مع بلد أوروبي يسبح ضد التيارالسياسي  الغربي , فالبلدان عرفتا طعم الظلم من الغريب الذي يريد طمس الهوية واستغلال الأرض حتى وإن كان جزء من جسد هذا الوطن تحت وطأة المحتل .


فيلم Braveheart

 فيلم Michael Collins

 فيلم the devil's own     
 

 

   تضامن ايرلندا مع القضية الفلسطينية 


     ولتتضح الرؤية شيئا فشيئا فالمملكة المتحدة أو بريطانيا المكونة من أربع أجزاء رئيسية , مقسمة على جزيرتين : الجزيرة الكبرى مكونة من انجلترا المسيطرة وويلز في الغرب واسكتلندا في الشمال , والجزيرة الأصغر مقسمة إلى جزئين الجزء الشمالي هو ايرلندا الشمالية ويتبع بريطانيا والباقي هو دولة مسقلة بذاتها هو جمهورية أيرلندا , وتاريخ الصراع طويل مر بمراحل مختلفة من الاتحاد القسري أو الطوعي , فالجزر البريطانية وفد إليها المهاجرون الأوروبيون واستقروا بها , وكان نصيب ايرلندا وويلز أن سكنهما المستضعفين من المهاجرين , وشيئا فشيئا أخذت شكل الحكومات تتضح على نظام القبلية بعد أن حدث هجوم نورماندي على الجزر البريطانية في الفترة من 1169: 1171م , لتنشأ الحيازة البابوية "لوردية ايرلندا " والتي تتبع ملك انجلترا , ويبقى الحكم  الاقطاعي  حتى عام "1542"م , حيث انتهى الحكم الاقطاعي وأصبحت جزء من انجلترا تحت إمرة الملك هنري الثامن الملك الذي اعلن اتباع انجلترا المذهب البروتستاني وخرج عن البابوية الكاثوليكية في حين كانت الكاثوليكية مذهب أيرلندا ثم تأتي الظروف في غير صالح ايرلندا وذلك بعد وفاة ابنته ماري الاولى أو ماري الدموية التي جعلت الحرق من نصيب من تسول له نفسه اتباع البروتستانتية وأعادت بريطانيا لحظيرة البابوية فنالت التأييد البابوي من البابا بولس الرابع , بكونها ملكة على ايرلندا .

 

            خريطة بريطانيا 

 

           هنري الثامن ملك بريطانيا 

 

            الملكة ماري الأولى 

 

               البابا بولس الرابع

 ثم توحدت بريطانيا عام 1603 م , تحت حكم الملك جيمس السادس ملك اسكتلندا أو جيمس الأول ملك بريطانيا ليهدأ الصراع الدموي الانجليزي الاسكتلندي الذي دام قروناً بين ملوك الدولتين ويأخذ تحت عباءته ايرلندا , ومن حين لآخر كانت تظهر المقاومة في شكل حروب :

حرب الأحد عشر عام "1641 – 1653"م، والحرب الوليمية - نسبة للملك ويليام الثالث - في إيرلندا "1689 – 1691"م، واضطرابات أرما "من سبعينيات القرن الثامن عشر إلى تسعينياته",  والثورة الأيرلندية في عام" 1798"م, وقد انضمت ويلز عام "1707م" للمجموعة وظهرت بريطانيا العظمى , ثم تستبدل بريطانيا العظمى بالمملكة المتحدة وذلك بداية  من 1 يناير 1800م .

 

         الملك جيمس الأول 

 

   الملك ويليام الثالث 

    ومنذ بداية الوحدة البريطانية وحتى ظهور المملكة المتحدة حدثت تغيرات جذرية على الصعيدين العالمي والداخلي , فبريطانيا أصبحت امبراطورية تسيطر على العديد من المناطق في الشرق ولا سيما الهند , واستفادت من ثروات العالم الجديد – حتى وان استقلت عنها الولايات المتحدة - وهزمت امبراطورية منافسة لها وهي فرنسا في حرب السنوات السبع"1756م – 1763"م  , وبدأت منها الثورة الصناعية وهي الغنية بالفحم والحديد وصاحبة الأسطول الضخم عابر المحيطات , ولكن ليس كل مواطنوا بريطانيا من السعداء بهذا التقدم فأهل ايرلندا كانوا فقراء فجزيرتهم قليلة الموارد تغطيها المستنقعات والبحيرات , شبه منعزلين زراعتهم قليلة نظرً لفقر التربة وسوء الصرف وهطول الأمطار طوال العام تقريباً , فلم يجدوا نشاط سوى الرعي منعزلين عن التقدم الصناعي متمتعين باستقلال في الحضارة و المذهب الكاثوليكي و يجترون ذكريات لغتهم الأم التي تختلف عن الانجليزية ممنوعون من تملكِ الأراضي ومن التعليم ومن حق الانتخابِ ومن دخول البرلمان الأيرلندي بحجة أنهم كاثوليك -لم يدخل الايرلنديون البرلمان إلا في عام 1829م – وقد سنت الأقليةُ البروتستانتية الكثيرَ من القوانين التي أَفقرتْ الأكثرية الكاثوليكية طوال عقود طويلة ، وكان هناك قانوناً يُلزم الكاثوليك بتقسيم تركة الميت من الأرض بين الأبناء بالتساوي، وإذا ما تحول الإبن الأكبر إلى البروتستانتية يحصل على التركة كاملة. .

                                       الفقر في البيت الايرلندي 

   ثم تأتي الظروف المناخية لتزيد من فقر سكان ايرلندا حيث استمرت الأمطار في الهطول بغزارة , وأصيب محصول البطاطس بآفة انتقلت إليه عن طريق السفن القادمة من أمريكا الشمالية والذي بدوره جاء من المكسيك  , فتلف المحصول الأساسي وهو البطاطس القادمة من أمريكا و الذي كان الغذاء والمورد الاقتصادي لعامة الشعب فتسبب في مجاعة كبرى حدثت بين "1845 :1852"م سميت بمجاعة البطاطس , وزادت عليهم الأمراض المعدية كالتيفوس والحمى والحصبة والإسهال وإلتهابات الجهاز التنفسي والسعال الديكي والعديد من الطفيليات المعوية وكذلك الإنفلونزا والجدري  فمات جراء ذلك حوالي مليون مواطن وهاجر مليون معظمهم للولايات المتحدة الأمريكية والباقي لانجلترا و اسكتلندا و استراليا وكندا , فخسرت أيرلندا حوالي ربع سكانها و أصبحت فقيرة في الأيدي العاملة , في وقت كان الأيرلنديون  فيه من رعايا أغني امبراطورية على وجه الأرض , ولم يرحم البريطانيون الأيرلنديين بل طالبوهم بالضرائب ولم يجدوا المساعدة إلا من الأيرلنديين من جنود وموظفي شركة الهند الشرقية , ومن البابا بيوس التاسع ، ثم اضطرت الملكة فيكتوريا للتبرع وجمعت التبرعات من البريطانيين في انجلترا واستراليا وأمريكا , وايضا تبرعت الدولة العثمانية بثلاث سفن محملة بالغذاء فمنعتهم بريطانيا ألا أنها تمكنت من الرسو وتوزيع المعونة وارسل وجهاء ايرلندا رسالة شكر للسلطان العثماني لذلك , حتى سكان أمريكا الأصليين ممن تعاملوا مع الأيرلنديين ارسلوا بمبلغ من المال للمساعدة  .

 

                  المجاعة في ايرلندا 


        نصب يخلد المجاعة 

 

الفرار من المجاعة 

 

                        هجرة الايرلنديين من المجاعة 

وكان معظم الايرلنديون يعيشون أبشع حال فقد نالوا الأسوأ من الطعام والغطاء والمسكن  , و كان معظم رجال ايرلندا يموتون جوعا وهم يشاركون في اصلاح وتعبيد طرق لا يحتاجون إليها تربط أملاك البريطانيين على الأرض الأيرلندية من ضياع وقصور لايزورونها سوى مرة أو مرتين كل عام , و مما لاشك فيه أن تلك المجاعة لم تكن سبباً في تدهور حال الأيرلنديين بقدر ماكانت نتاجاً لسياسة البريطانيين الاقتصادية التي وضعوها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في ايرلندا وأدت إلى تدهور حالتهم الاقتصادية طوال عقود طويلة قبل المجاعة الكبرى .

  ومثلما تلاعبت بريطانيا بالسياسة الاقتصادية لأيرلندا , تلاعبت بالخريطة الاقتصادية ايضا فبينما كانت الثورة الصناعية في أوجها على الجزيرة البريطانية الكبرى الغنية بالفحم و الحديد , كانت ايرلندا جزيرة فقيرة التربة الزراعية تعاني من سوء الصرف ذات مناخ رطب ممطر معظم العام , فكانت جزيرة رعوية معزولة إلى حد كبير عن التقدم الانجليزي . ولكن تلك العزلة لم تكن تامة فالأجزاء الشمالية من ايرلندا وتحديدا منطقة "أليستر" وفد إليها عناصر بريطانية بروتستانتية تتحدث الانجليزية ذات خبرة صناعية , وكلما زاد النمو الصناعي فيها زاد وفود الانجليز إليها , وارتبطت "أليستر " بالجزيرة الكبرى وأهملت باقي جزيرة أيرلندا ,فزاد شعور السخط فيها وطالب الأيرلنديون بالحكم الذاتي .

   فقام كفاح مسلح طويل ضد بريطانيا لذلك , فأصدر البرلمان البريطاني عام "1914"م    قراراً بمنح الحكم الذاتي لإيرلندا الجنوبية , إلا أن ذلك لم ينفذ إلا عام "1921"م حيث منح الجزء الجنوبي الاستقلال , وتركت أليستر في الشمال تابعة لبريطانيا , وذلك لم يرض الوطنيين الايرلنديين , وظل هذا الحلم في ذهن الايرلنديين حتى عام "1937"م حينما نجح الحزب الجمهوري في الوصول للحكم و أعلن الاستقلال واطلق علي ايرلندا اسم" Eire" وذلك بلغتهم القديمة , ووضع دستوراً جديداً وطالب بضم "أليستر" , واتجه للتصنيع وتحسين أحوال الزراعة وتنشيط التجارة الخارجية , وكان الانشقاق الأكبر عن بريطانيا حينما أعلن قائد التحرير "دي فاليرا " أن ايرلندا لاتتقيد بسياسة بريطانيا وتعلن حيادها التام أمام الحرب العالمية الثانية , وقد سمحت ايرلندا للغواصات الألمانية بالرسو في موانيها للتموين , نكاية في بريطانيا والولايات المتحدة التي كانتا تضغطان عليها لجرها للحرب وكان نتيجة ذلك وقف اشتراك ايرلندا للانضمام للأمم المتحدة لعدة سنوات حتى تخطت ايرلندا كل هذا ثم انضمت للسوق الاوروية المشتركة وعضواً في الاتحاد الأوروبي وسبقت بريطانيا في ذلك .

 

             مايكل كولينز 

 

               دي فاليرا 

أما الجزء الشمالي أو "أليستر" فكان هو الآخر يقاوم بكل قوته للوجود البريطاني مضحياً بدماء شعبه ليحقق الاستقلال فقامت جماعات مسلحة منها  منظمة شبه عسكرية هي الجيش الجمهوري الأيرلندي لتقودالكفاح المسلح منذ العقد الثاني من القرن العشرين بقيادة "مايكل كولينز" بعمليات فدائية واغتيالات وتفجيرات لمواقع بريطانية , ففاوضتهم بريطانيا وأعطت للجزيرة استقلالها وانفردت بحكم أليستر , فقامت حرباً أهلية أيرلندية لذلك "1922- 1923" م , ضد "كولينز" الذي وافق على المعاهدة وبين "دي فاليرا" الرافض لها , وكان النصر حليف "كولينز" , فتغير موقف  دي فاليرا الذي كان عادى الجيش الجمهوري الأيرلندي رسمياً بعد أن امسك بزمام الأمور في ايرلندا المستقلة , واتخذ ضده اجراءات صارمة منها الحجز دون محاكمة بسبب تفجيرات ضد بريطانيا , بل والاعدام والسجن عندما سعى الجيش الجمهوري بطلب المساعدة من هتلر ضد بريطانيا , فأصبح الجيش الجمهوري بين شقي رحي , بين مستعمر وبين أخوة أعداء , لم يجد الدعم منهم , بل كبلوه وضيقوا الخناق عليه , فاكتفت ايرلندا بتكوين جمهورية مستقلة في الجزء الجنوبي , واستمر الجيش الجمهوري بالتفجيرات في بريطانيا من حين لآخر خلال سنوات طويلة , حتى جاء عام "1997"م حيث تم الاتفاق بين "جيري آدمز" القيادي من الجيش الجمهوري ورئيس وزراء بريطانيا "توني بلير " وكان ذلك أول لقاء بين رئيس وزراء بريطاني وقيادي من الجيش الجمهوري منذ لقاء 1921 بين "مايكل كولينز" ورئيس الوزراء البريطاني "دافيد لويد جورج" , وتمت اتفاقية بلفاست وأهم بنودها مجلس حكم مستقل ومنتخب في أيرلندا الشمالية إضافة إلى تقاسم السلطة واستفتاء على توحيد أيرلندا والذي جرى  في "1999" م وكانت النسبة "71"% نعم في ايرلندا الشمالية و"94"% نعم في جمهورية أيرلندا المستقلة. ولكن حتى الآن لم ينته الوضع بسلام فهو أشبه بالنار تحت الرماد فالجيش الجمهوري الأيرلندي لم ينته بل ظهر في السنوات الأخيرة منظمة أطلقت على نفسها الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد وقامت بريطانيا أكثر من مرة بإيقاف مجلس الحكم في ايرلندا الشمالية  بحجة الخوف من انشقاقه .

 

               الجيش الجمهوري الايرلندي 

 

      الجيش الجمهوري الايرلندي الآن  

 

                    دافيد لويد جورج ومايكل كولينز

 

                   توني  بلير  وجيري آدامز