التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


السبت، 13 فبراير 2021

دراهم ودنانير


   من يقرأ القرآن ويدقق في معانيه وصوره , يجده ينقل لنا بصورة غير مباشرة أحوال البشر في نواحي حياتهم العديدة , ومنها آيات كريمة ذكرت فيها العملات النقدية , وذكرت بأسمائها باللفظ , فذكر الدرهم في الآية الكريمة 75 من سورة " يوسف " في قوله تعالى " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " . وذكر الدينار في الآية الكريمة 20 من سورة " آل عمران " في قوله تعالى " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ " . وسواء تناول القرآن الكريم أحوال الأمم السابقة أو المعاصرة لنزول الوحي فكان ينقل صورة قريبة لذهن أول مجتمع تلقى الوحي , أو مجتمع الجزيرة العربية ذلك المجتمع القبلي البدوي الذي لم يعرف الحكومة المركزية ,  ولم ير من التقدم سوى مامر عليه من التجار الغرباء أو ما رأوه ولمسوه خارج حدودهم عندما خرجوا للتجارة ويذكر لنا التاريخ أن "بنو عبد مناف " قد عقدوا معاهدة مع الامبراطورية البيزنطية ,و "بنو عبد شمس" مع الامبراطورية الفارسية , وعقد "بنو عبد المطلب " معاهدة مع اليمن , و " بنو عبد نوفل " مع الحبشة  , والتجارة أوذلك النشاط  الحيوي التي كانت شريان الحياة لهم كان لزاماً له العملة المتمة لصفقاته , فلجأوا للاعتماد والتعامل مع العملات الدولية المعروفة في ذلك الوقت , وكانت جارتهم الجنوبية "سبأ" قد عرفت العملات المعدنية وقد عثر على عملة فضية سبئية ترجع للقرن الثالث أو القرن الثاني قبل الميلاد عليها وجه العملة المعبودة اليونانية "أثينا " وقد تدلى من أذنها قرط وعلى خدها حرف النون السبئي , وظهر العملة عليها بومة وهلال وغصن زيتون به ورقتان وسطهما حبة زيتون وأول حرفين من أثينا بالخط اليوناني , فاًذا كانت العملة اليونانية دولية في ذلك الوقت كانت تسك في العديد من البلاد دون اضافة , فإن سبأ قد أضافت بصمتها الخاصة لتؤكد كيانها الاقتصادي ويرجح أن حرف النون السبئي هو أول حرف من اسم ملكها "نشا كرب " , الذي حكم حوالي 250 ق.م , أوملك آخر هو  "نصرم " الذي حكم تقريباً عام 200قبل الميلاد , وقد اكتشف أيضا عملة سبئية برونزية يظهر عليها صورة رجل وخلفه قرص الشمس وعلامة شخصية وعلى الوجه الآخر نفس الرجل ومنقوش "كرب إلي وتر " ويشير ذلك للملك السبئي "كرب إلي وتر " الذي حكم حوالي 160قبل الميلاد , وظهر التطور في أن العملة أصبحت تمثل الملك السبئي وتكتب اسمه بلغتهم الخاصة ووضعت كذلك صورة المعبودة المحلية الشمس "ذات حمم "  بدلا أثينا الأجنبية . وكذلك كان للأنباط في الشمال دولة مستقلة في الشمال الغربي للجزيرة العربية حيث عثر في بترا أو "البتراء" العاصمة على عملة برونزية عليها صورة القيصر  "ترايانوس " تراجان واسمه منقوش باليونانية ممايعني أن العملة كانت في الفترة مابين 98-117ميلادية حيث كانت مملكة الأنباط تحت الحكم الروماني , أما الوجه الآخر نقش عليه باليونانية "بترا" وصورة المعبودة "اللات – مناتو " معبودة المدينة .

        عملة يمنية قديمة 

  وكما رأينا بالأدلة أن عرب شبه الجزيرة العربية كان متاحاً لهم استخدام العملات الدولية  وكذلك عملات الممالك العربية على أطراف شبه الجزيرة , وقد وظل الحال كذلك حتى ظهور الاسلام وظهور دولة مدنية أسسها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عاصمتها المدينة .

   والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما اهتم بالدعوة للدين الاسلامي , اهتم بأحوال الرعية في الحياة الدنيا , وبطبيعة الحال كانت تلك الدولة الوليدة , لاتملك الامكانات لسك عملة خاصة بها , فلجأت لتداول العملات الدولية الموجودة وقتها , ولم يجد غضاضة في ذلك فالرسول صلى الله عليه سلم عندما زوج ابنته فاطمة رضي الله عنها من علي بن أبي طالب كان مهرها 480 درهماً كسروياً من الفضة , منقوش عليها  صورة معبد النار "آتش كاه "  , كما كانت الدنانير البيزنطية الذهبية صاحبة صورة الصليب , عملة معترف بها في دولة الرسول صلى الله عليه وسلم , وكذلك كانت العملات اليمنية الحميرية ,  وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم , عام 11 هجرية , فتولى أبو بكر الصديق الخلافة وانشغل بحروب الردة , التي كادت أن تقضي على دولة المسلمين في شبه الجزيرة , فلم تقر سكة جديدة خاصة بالدولة الاسلامية , وظلت العملة البيزنطية هي المتداولة , حتى توفي عام 13 هجرية , وتولى بعده عمربن الخطاب والذي بدأت في عهده الفتوحات الاسلامية تأخذ شكلا أكثر توسعاً , بعد أن كانت في البداية صدامات على الحدود مثل غزوة مؤته عام 8 هجرية , وتم في عهده فتح الشام ومصر والعراق وفارس , فبقيت العملة الفارسية والبيزنطية كماهي معترف بها , مع إضافة نقوش اسلامية ,مثل : "الحمد لله " , " محمد رسول الله " , كما ضربت عملات كان ينقش عليها اسماء المدن بالعربية واليونانية فكان عليها اسماء المدن التي كانت من قبل  تحت الاحتلال البيزنطي ولا تزال اللغة ليونانية مستخدمة فيها  , مثل : دمشق , وحمص , وطبرية , و بعلبك , وإيليا , ,قنسرين . كما زيدت عليها كلمات تشير لوزنها الصحيح , فالعملة البرونزية التي سكت في دمشق أضيف عليها كلمة "جايز " , أما التي سكت في حمص فأضيف عليها كلمة "واف " أو "طيب" .

  وكان للدرهم الفارسي قيمة مختلفة من مكان لآخر , ولتوحيد ذلك أقر قيمة واحدة له في كل أنحاء الدولة الاسلامية .

   وفي خلافة عثمان بن عفان "23هجرية – 35 هجرية " زيد على الدراهم عبارة "الله أكبر " .

     وفي عهد أول خلفاء الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان , طرأت تحولات جديدة على الدولة الاسلامية في كل النواحي ومنها العملة فعثر على دنانير بيزنطية من عهد معاوية بن أبي سفيان عليها صورته متقلداً سيفه متشبهاً بالأباطرة البيزنطيين , , وبعد وفاة يزيد بن معاوية , أعلن عبد الله بن الزبير عن خلافة جديدة مقرها مكة المكرمة وبايعه كل المسلمين ماعدا بعض المناطق في الشام ,وقد وصلت إلينا معلومات من المقريزي أن "عبد الله بن الزبير" ضرب دراهم منقوش على وجهها "محمد رسول الله " وعلى ظهرها "أمر الله بالوفاء والعدل " , وضرب أخوه مصعب في العراق دراهم فارسية سنة 70 هجرية , مكتوب على أحد الوجهين "بركة الله " والآخر "اسم الله " .

    ولم تصمد دولة عبد الله بن الزبير وكذلك دولة قطري بن الفجاءة الذي اراد هو الأخر تأسيس خلافة بعد وفاة ابني الزبير وسك لنفسه عملة وقد استعاد بنو أمية منه الخلافة , فحدث التطور الأهم في العملة وذلك في عهد الخليفة "عبد الملك بن مروان " "65 هجرية – 86هجرية " وهو سك عملة عربية اسلامية خالصة , في اجراء اقتصادي يتوازن مع التعديلات الادارية التي اجراها بتعريب الدواوين , لتدخل الدولة الاسلامية مرحلة جديدة .

                           

                           درهم قطري بن الفجاءة 

   

    وفي بداية حكم عبد الملك بن مروان كانت الدنانير الاسلامية على غرار الدنانير البيزنطية مع بتر أعلى الصليب وظهر حرف " T " محاطاً بعبارات التوحيد بالخط الكوفي .  والوجه الآخر كانت صور هرقل وابنيه قنسطنين وهرقليانوس . وعموداً قائماً على المدرج الذي يحمل الصليب . 

            دينار هرقل وأولاده في بداية حكم عبد الملك بن مروان                       


 ثم ظهر ديناراُ جديداُ أثار عاصفة من الاعتراضات , حيث حمل صورة عبد الملك بن مروان , وعلى الوجه الآخر عمودأ قائماً على أربع مدرجات بدلا من الصليب وعلى الحافة عبارة "بسم الله ضرب هذا الدينار سنة ست وسبعين " , فاعترض البيزنطيون بشدة على ذلك واعتبروه خروجاً على نظام النقد البيزنطي العالمي, أما داخل الدولة الاسلامية فقد اعترض جماعة من الصحابة لتشبه الخليفة بالأباطرة , كما أن الصور ينهى عنها الشرع .


    
صورة عبد الملك بن مروان على العملة 

  

وبرغم ذلك كانت تلك مجرد البداية فضرب عبد الملك بآراء الجميع عرض الحائط واصدر العملة الاسلامية الخالصة عام 77 هجرية , فكان ديناراً اسلامياً على أحد الوجوه في الوسط عبارة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له "  وعلى الحافة "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " , والوجه الآخر في الوسط " الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد " , وعلى الحافة "بسم الله ضرب هذا الدينار عام سبعة وسبعين " . 

       

العملة الأموية العربية الاسلامية الخالصة 

وبذلك خطت الدولة الاسلامية خطوة واسعة لأن تتبوأ عملتها مكانة مميزة في العملات العالمية ذات الثقل الاقتصادي العظيم لتتواكب مع الفتوحات والتوسعات ودرجات التقدم الكبيرة التي وصلت إليها دولة المسلمين  في كل المجالات .  

الجمعة، 5 فبراير 2021

نشأة سفاح

 


   في يوم الثامن والعشرين من أغسطس عام 1227م , مات جنكيز خان في "هاسيا –هسي" بالصين وكانت وصيته أن يدفن في مسقط رأسه بمنغوليا وتحديداً فى العاصمة "قراقورم " , وكان موكبه الجنائزي يمر بطريق طويل كان مصير كل من قد شاهده القتل سواء كان بشراً أو طائراً أو حيواناً , حتى لايتسرب خبر وفاة القائد الأعظم فتحدث اضطرابات في الامبراطورية المترامية الأطراف , وقد يرى الكثير في ذلك دموية لامبرر لها , ولكن حياة ذلك الشخص كانت دموية أكثر فقد تسبب في قتل مالايقل عن سبعة وثلاثين مليون شخص واستمر في سفك الدماء نسله من بعده لا لشئ سوى استعمار مدن وقتل كل ساكنيها بلارحمة وبدون أسباب . وعند وصول جثمانه كان زعماء المغول قد اجتمعوا لتشييعه ثم دفن في غابة قد أوصي بان يدفن فيها تحت شجرة , وعهد لإحدى العشائر بحراسة القبر وحرق البخور دون توقف حتى تكاثفت وتشابكت أشجار الغابة المحيطة بالقبر فيختفي أثره . وقد اختلف المؤرخون في أسباب مقتله وكان كل فريق يفسره بطريقة تتناسب ومايريد . فذكر المؤرخون الصينيون بأنه قتل من جرح قاتل أصابته بأسنانها "كوربيلديشين خاتون " أرملة حاكم التانجوت عندما هم جنكيزخان بمداعبتها في حريمه : ثم ألقت بنفسها في النهر الأصفر , ويشكك في تلك الرواية فربما يكون ذلك لتلطيخ سيرة جنكيز خان بأن نهايته كانت على يد امرأة , أما يوحنا الكاربيني فذكر أنه عند زيارته لقراقورم علم أن الوفاة كانت نتيجة الاصابة بسهم , وقد ذكر هذا ايضا الرحالة ماركوبولو .

   وإذا كانت تلك الوفاة محاطة بالأساطير والدماء , كانت ايضا الحياة , ولم  تختلف عنهما البداية , فقد اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته فمنهم من ذكر عام  1155م والبعض رجح عام 1167م , في إقليم"دولون بولداق " بمنغوليا بالقرب من الضفة اليمنى لنهر "أونون" , واسمه تيموجين بن يسوكاي بن برتان بن بهادر رئيس وخان قبيلة "قيات" المغولية , لم يحضر أبوه ولادته فكان يحارب التتار وقتل زعيمهم "تيموجين " , وأمه هي "يولون " اختطفها أبوه يوم زفافها من شخص آخر من قبائل الماركيت , و قد عاد أبوه للديار ليجد وليده قابضاً على قطعة من الدم بيده , ففسروا ذلك بأنه سيكون ملكاً عظيماً , لذلك سوف يسفك الكثير من الدماء وقد ربط يسوكاي ذلك بانتصاره على زعيم التتار فأطلق على ابنه "تيموجين" تخليداً لذكرى انتصاره . ونشأ "تيموجين " أو جنكيز خان فيمابعد كأي طفل مغولي يتغذى بعد فطامه على ألبان الخيل والماشية , ويتدرب منذ الثالثة على استخدام القوس والنشاب في صيد غذائهم من الفئران والأرانب وركوب الخراف مقلدين الكبار عندما يركبون الخيل , وعندما كبر كان يتأثر بقصص العشيرة عن الحرب والسلب , وكان يرعى الماشية وتميز بكونه ذكياً فارع الطول قوي البنية بارعاً في الرماية والمصارعة . عندما بلغ الثالثة عشر من عمره خرج مع والده في رحلة لأخواله , التقيا خلالها بزعيم قبيلة القنقرات المغولية والذي اعجب بتيموجين وعقد خطبته على ابنته "بورته" وكانت وقتها لم تبلغ العاشرة , وفي طريق رحلة يسوكاي بهادر دعاه بعض بدو التتار-أصحاب الثأر القديم -  لتناول العشاء فدسوا له السم , وظل يسوكاي محتملا الآلام لثلاثة أيام حتى وصل لقومه , وحكى لهم غدر التتار, وعلم ابنه بذلك فأسرع لوالده لكن وجدهقد مات, وبما أنه الابن الأكبر فكانت عليه مسؤولية الأسرة , و القبيلة و الحلف المغولي الذي ترأسه يسوكاي , ولصغر سنه تولت أمه تلك المهام .

   ولكن يسوكاي الزعيم القوي قد مات , فتحلل زعماء المغول من تبعيتهم لزعيم قبيلة "قيات" وزعيم المغول الصغير , بل إن قبيلة قيات نفسها تمردت على زعامة طفل صغير أو حتى أرملة تخطط لابنها الزعامة , فاختار بعضهم زعيماً آخر واختار البعض زعامة كبير تايجيوت التتري , وتخلى عن أسرة تيموجين الجميع , فتنقلت الأم "يولان" بأفراد الأسرة من مكان لآخر هرباً من ثأر التتار الذي لم يهدأ , وكانت تتولى اطعام الأسرة بجمع النباتات و الثمار البرية , وتربيةابناء يسوكاي ولم تفرق بين أولادها "تيموجين , جوجي قسار , قاجيون , تموأتجكن " و" بلوتي نويان " من زوجة ثانية ,  و "بكتار" من زوجة ثالثة , وجعلت مهمة الأبناء في صيد الحيوانات البرية الصغيرة , وأسماك نهر أونون .

    وتحت تلك الظروف القاسية من طعام شحيح , كانت أكبر فرحة عند صيد ثعلب أو فأر , يلزمها  تدبير الفخاخ و الخطط , في أجواء مناخية قاسية قد تصل درجة الحرارة فيها إلى ستين تحت الصفر ,وأحلام السيادة بعد أن كان يسوكاي قاب قوسين من تولية خاقانية المغول , وثأر قديم من قاتليه , وقوة جسمانية هائلة متعطشة للتعبير عن نفسها تشكلت شخصية تيموجين .

  وقد تشاجر تيموجين مع شقيقه "جوجي كسار " لأخ لهم غير شقيق وقتلوه حيث اتهموه بسرقة عصفور وسمكة , فتصدت الأم لبداية الفرقة بين أفراد الأسرة ونبهتهم بأن العدو هو قتلة أبوهم " التايجيوت " , وصدقت الأم فلم يترك "التايجيوت " ابناء" يسوكاي " وطاردوهم , فنقلوا اقامتهم إلى جبل "كنتاي "المقدس للاحتماء به .

     ومع الوقت والجهد أصبح للأسرة تسعة خيول استولى لصوص من التايجيوت على ثمانية منها , فطاردهم "تيموجين " لأربعة أيام اشده في رحلته صبي قابله يدعى "بورتشو" وهو من دله اللصوص , ورافقه في رحلته , حتى استعاد خيوله ونجح في الفرار من مطاردة "التايجيوت" , ورجع "بورتشو" لوالده الذي اكرم ابن الزعيم "يسوكاي " , ثم يعود "تيموجين " لأسرته , وكلما مر الوقت زادت قوة العلاقة بين "تيموجين " و"بورتشو " والعديد من المغول حوله , وبدأت تتضح قوة شخصيته وملامح الزعامة تظهر عليه , وكانت صلته تقوى بالقبائل المغولية لرجاحة عقله وحسمه للأمور فيما بينهم بالعدل , فأعلنت بعض القبائل تبعيتها , ودخل حرب مع المنشقين من ابناء قبيلته "قيات" وانتصر عليهم , حتى أصبح زعيماً رسمياً للقيات  , وتزوج من "بورته " ابنة زعيم "القنقرات " التي أتمت الثالثة عشر من عمرها , ولم يطلب والدها  مهراً سوى فراء حيوان السمور .  وقد رأى "تيموجين " في منامه أنه يمسك سيفاً بكل يد من يداه , وقد امتدت يداه لتلامس إحداهما المشرق والأخرى المغرب , فقص على أمه ما رآه فبشرته  أنه سيستولى على الدنيا بشرقها وغربها .

   وبعد ان اصبح "تيموجين " زعيم القيات وتحالف مع أصهاره "القنقرات " وخضعت له العديد من القبائل , أصبح سيداً على شرق منغوليا , وأراد "تيموجين " احياء حلم "يسوكاي " فتحالف مع "طغرل " زعيم قبيلة "كرايت"  على نهر تولا , وقد كان والده قد شرب معه من قبل نخب الصداقة الأبدية , ثم تحالف مع قبيلة "جاجيرات "حلفاً حدث بعده فرقة , انتهت بانتصار "تيموجين " حيث استخدم سلاح الدعاية مبشراً المغول بكل النبؤات وقراءة الطالع التي أكدت من قبل سيادته , فانضوى المغول تحت لوائه وهو الزعيم الآت حتماً , وقد اجتمع أربع أمراء يمثلون أعرق العائلات الملكية نسباً على اختيار "تيموجين " خاناً للمغول , وأدوا له القسم على مناصرته وبذل الروح فداءا له , وأطلق عليه لقب "جنكيزخان " والتي اختلف المؤرخون في معناه فبعضهم فسرها بالقوي , والبعض بابن السماء , وآخرون بالمحارب الكامل . وهنا لنا وقفة حيث أن أولئك الأمراء منهم من أحق بالزعامة وهم أصحاب الدماء الملكية , ولكن الأوضاع المتردية والفرقة بين المغول التي حاول "تيموجين " من قبل أن يقضي عليها , ونار الثأر من التتار والتي تملأ صدر "تيموجين " جعلته خير من يتولى زمام الأمور , فأقام عدة اصلاحات في دولته الجديدة , فأصبح مواطنوا القبائل معروفون باسم "أولوس" , أما أصحاب القرب أو "أروج" من  أفراد أسرته وأقاربه وعشيرته وكل المقربين منه وقد أعطى لهم المناصب العسكرية والمدنية . 

    ومن هؤلاء اختار المهرة منهم في الرماية والقتال كحرس شخصي , والباقي المهام الخاصة بنقل الأوامر الملكية وتجهيز العربات وتوفير الطعام والشراب , والاشراف على الخدم , والمحافظة على النظام عند انعقاد "مجلس قوريلتاي " أو مجلس أعيان القبائل المغولية , وكان رئيس كل هؤلاء صديقه المقرب "بورتشو " .

   وقد حان الوقت للأخذ بالثأر من التتار , فاتجه بجيش مغولي مكون ثلاثة عشر ألف جندي لمحاربة "التايجيوت " صاحبة الثلاثين ألف جندي , و انتصر "جنكيز خان " عليهم , وألقى أسراهم في أحواض مليئة بالمياه المغلية , فكان كل ذلك رسالة واضحة لمن يقف في وجهه , وكانت تلك البداية لأحداث دموية لن تنساها البشرية اكتسح خطرها آلاف الأميال , كالأوبئة التي لافكاك منها .  

السبت، 23 يناير 2021

حِكَم الأجداد

 


     العقل زينة , الشرط نور , الصراحة راحة وغيرها الكثير من الحكم التي انتقلت لنا من جيل لآخر تحمل لنا خبرة وتجارب سنوات في جمل موجزة , لتعظ الناس وترشدهم , وقد وصلت إلينا شفاهية أو مسجلة في كتب التراث , وإذا انتقلنا لمرحلة أبعد أو مصر في العصور القديمة ذات الحضارة التي علمت العالم , نجد أن تعاليم الحكماء قد انتقلت إلينا عبر البرديات أو نقشت على جدران مقابرهم , لتكون ذكرى خالدة لهم بالخير والفضيلة .

    وفي مصر القديمة كان الموظف الكفء هو من يلم بنصائح وحكم المعلمين , فهو بذلك كمن يحمل شهادة علمية و فصاحة في الكلام وخبرة في فلسفة الحياة, وكان من عادة الكاتب المصري عندما ينال من العلم والخبرة الكثير ويحس بدنو أجله أن يعهد لشخص قريب منه بتدوين تعاليمه ليحفظها ويعمل بها وتورث من بعده .

   وأقدم التعاليم التي وصلتنا من مصر القديمة حفظت في المكتبة الأهلية بباريس مسجلة في بردية تسمى بردية "بريس " نسبة للعالم الفرنسي "بريس " الذى اشتراها من أحد فلاحي الأقصر وأهداها للمكتبة عام "1847م" وتحتوي على تعاليم الوزير والمعلم  "كاجمني " وسجلت في نهاية عصر الملك "حوني " آخر ملوك الأسرة الثالثة , ومنها مايتناول آداب الحديث , فيقول : "المتواضع الحذق يحالفه النجاح ويظل سليماً معافي" , "من يتخذ الاستقامة أساسا ً لعمله يمتدحه الناس" , وايضا تناول آداب المائدة , فقال: "إذا جلست مع أشخاص كثيرين فاصطنع كراهية الطعام , حتى ولو كنت شديد الرغبة فيه , إن قدحاً من الماء يروي الظمأ , وطبقاً بسيطاً يكفيك , فالقليل يغني عن الكثير" ,"إذا جلست مع شخص شره فلا تأكل إلا بعد أن يفرغ من وجبته ".

   وقد ورد في حكم "بتاح حتب " لابنه وكان  وزيراً في عهد الملك "جد كا رع – إسيسي " في عهد الأسرة الخامسة , نصائح عدة  منها ماورد عن تكوين أسرة صالحة , فقال له : " وإذا أصبحت رشيداً فأسس لنفسك بيتاً واتخذ لنفسك زوجة وأحبب زوجتك في حدود العرف , أو عاملها بماتستحق " .

    ومن عصر الانتقال الأول جاءت إلينا تعاليم ملك اهناسيا إلى ابنه الملك "مري كارع " في بردية سجلت في عهد الملك "تحتمس الثالث" وعرفت باسم بردية" لينجراد " , ليلقن ابنه خبرة سنوات من الحكم وتجارب الحياة , فقال له : "مجد العظماء , واعمل على سعادة شعبك فكم هو جميل أن يعمل المرء من أجل المستقبل . ولكن افتح عينيك , فقد يمتليء المرء بالثقة , ثم يتكشف الأمر عن حسرة لثقة جاءت في غير موضعها " . "أقم الحق طوال حياتك على وجه الأرض . وواسي الحزين , ولاتظلم الأرملة ولاتطرد رجلاً مماكان يمتلكه أبوه , ولاتلحق ضرراً بالقضاة فيما يتصل بمناصبهم وكن مدققاً حذراً حتى لاتظلم أحداً " . " ارفع من شأن الجيل الجديد , إن مجتمعك ملئ بالشباب الذين هم في سن العشرين , فزد من عدد أتباعك منه وزودهم بالثروة والحقول والماشية " .

   وفي عصر الدولة الوسطى ترك الملك أمنمحات الأول نصائحه لابنه سنوسرت الأول حيث تعرض لمؤامرة من أعوانه , فقال له : " احذر اتباعك , لاتقربهم  و أنت بمفردك , ولا تملأ قلبك بأخ , ولا تصاحب صديقاً , ولاتثق بأحد من الأتباع وتقربه إليك , فهذه أمور لاجدوى منها " .

   وفي المتحف المصري توجد بردية  الحكيم "آني" موجهة لابنه "جنس حتب " في أمور الحياة اليومية من آداب الزيارة وحب العمل والبر بالوالدين والتبكير بالزواج المبكر , وحسن اختيار الأصدقاء , وفضل الأم وحسن معاملة الزوجة ومعاملة الرؤساء .

   وفي المتحف البريطاني توجد بردية نصائح "آمون أم أوبت " لابنه "حور ما خر " وترجع للدولة الحديثة وقد كتبت بأسلوب شعري , وتحض على الأخلاق والصبر والتواضع وسلوك وواجبات الموظف في عمله .

  وفي العصور المتأخرة توجد تعاليم "عنخ شاشنقي" الموجهة لابنه و يرجح أنها في القرن الخامس أو الرابع قبل الميلاد . وتبين التعاليم أن "عنخ شاشنقي" هو كاهن للإله "رع" بمدينة "أون " وقد سجن لإتهامه بقتل الفرعون , وقد تميزت بالطابع العملي البعيد عن الفلسفة وتوضح لنا أنه رجل فلاح عاش حياة الريف في مجتمع في فترة صعبة جعلت احياناً المصلحة الشخصية في المرتبة الأولى , وتميزت كذلك بحس الدعابة , فقال لابنه : "إذا وهبوك جزاء الغباء , فاجعل  التعليم إذن خصيمك " , ونبه لقوة الإله بقوله " عندما يكون رع غاضباً على الأرض , فإن حاكمها يهمل القانون " , وقال :" وقر إلهك فهو القادر على حمايتك , ولاتقصر في خدمته " . ومن النصائح الأخلاقية : "اعمل على تعليم ولدك أن يكتب وأن يحرث وأن يصيد وأن يستخدم الشص على مدار العام , فأنه بذلك سوف يجني الفائدة بما يعمله " . "لاتقل الآن هو صيفاً , فهناك شتاء قادم , فمن لم يجمع حطباً في الصيف أعوذه الدفء في الشتاء " , "لو أنك عملت , فالأرض لن تبخل عليك " , " إن ثروة قليلة مع الاحترام تساوي نهر النيل في زمن الفيضان " , " عندما تعطي شيئاً تملكه إلى أي شخص , فاجعله مصحوباً بالكلمة الطيبة , عندئذ يصبح هبتين وليس هبة واحدة " . "لا تتشاجر مع أحد في أمر أنت مخطئ فيه " , " لاتقل , لقد أديت معروفاً لهذا الشخص ولم يشكرني عليه" , " لاتقترض مالاً لكي تعيش ميسوراً منه , واقترض مالاً فقط للضرورة كاتخاذ زوجة أو شراء أرض زراعية " , "احذر أن تتخير لنفسك إمرأة سيئة الطبع , حتى لاتورث ابنائك تربية فاسقة " , لاتهجر امرأة في دارك لأنها عقيم " , " لاتنتهك حرمة امرأة متزوجة " , " تحر عن كل أمر تعرفه " , " لاتشاور عالماً في أمر تافه إذا وجد أمر جليل , ولا تشاور جاهلاً في أمر جلل إذا وجد عالم تستطيع أن تشاوره " ., " لاتكن حذراً في موقف سيء يحتاج المواجهة " , " لو وصلت للقمة وكسبت ممتلكات عدة , فاجعل أخوتك عظماء معك " , " لاتبع منزلك ومصدر دخلك يوماً ما لغرض أو مصلحة , ثم تصبح فقيراً للأبد , ولاترسل أحداً للمدينة متى توقعت متاعب فيها, ولاتتسرع في الذهاب إلى القاضي ثم بعد ذلك تنسحب من أمامه , ولا تكن مثبط الهمة في كل أمر مايمكن أن تسأل فيه النصيحة , ولاتقل انتهى مرضي , فلن آخذ الدواء " .

   وبذلك كانت السمة العامة لنصائح أجدادنا في مصر القديمة هي غرس الأخلاق  الصالحة وترسيخ القيم الأسرية و البعد عن العنف والصبر على الشدائد والحكمة في التصرف فما ترك بين سطور البرديات لايختلف كثيراً عمايتردد الآن على ألسنتنا في الحض على التمسك بالأخلاق الكريمة .  

الثلاثاء، 19 يناير 2021

نمور سري لانكا البشرية

   هي جماعة عسكرية أشعلت حرباً أهلية دامت ثلاثة عقود فكانت أطول حرب أهلية في آسيا , أسالت من الدماء الكثير واستهدف غضبها ذوي المناصب السياسية الهامة قامت في  "سري لانكا " عام 1976م وقدر عدد ضحايا حوالي مئة ألف قتيل معظمهم من المدنيين العزل , وقد  اطلقوا على أنفسهم "جبهة نمور ايلام - تاميل " واتخذوا من النمر المزمجر والذي يحيط به سلاحي سنكي والرصاصات رمزاً لهم . وإذا أردنا أن نعرف مالذي أثار غضب هؤلاء ليدفعهم لتكوين جبهة للقتال , لابد أن نعرف في البداية الظروف المحيطة بهم ؟     

رمز جبهة نمور ايلام تاميل 

 

على جزيرة  "سري لانكا" أو سيلان سابقا التي تقع في أقصى جنوب شرق الهند ويفصلها عنها مضيق" بالك " , والذي لايزيد عرضه عن 32كيلومتراً مربعاً , يقسم عدد السكان - حوالي 22 مليون نسمة - إلى قسمين : الأول : "سنهال " ويشكلون "70%" من السكان ومعظمهم يدين بالبوذية , والثاني : "تاميل" ويشكلون "23%" من عدد السكان معظمهم من أصول سريلانكية , و "6%"  من أصول هندية جلبتهم بريطانيا للعمل في زراعة الشاي .

    ويدين التاميل بالهندوسية , و"20%" منهم يدينون بالاسلام , "6%" يدينون بالمسيحية , ويتركز التاميل في شمال وشرق الجزيرة . أما باقي سكان سري لانكا فهم من أصول عربية وملايوية وأندونيسية . ونجد أن كلا من السنهال والتاميل لهم نفس الملامح والصفات الجسمانية للهنود في لون البشرة والأجساد النحيلة .

اللون الأخضر يوضح تركز التاميل في سري لانكا 

وللتاميل لغة خاصة تمسكوا بها , رغم أن أغلبية السكان يتحدثون السنهالية , ويغلب عليهم الأمية والفقر في حين أن التاميل هم من يملكون السيطرة الاقتصادية وقد نالوا دعم بريطانيا التي جعلتهم في الصدارة في ادارة البلاد , لذلك كانت الخطوات الأكيدة لسري لانكا نحو التقدم وخاصة بعد أن نالت استقلالها عام 1948م , أن تغير من تلك الثوابت , فضم أول برلمان "58" "من السنهال" 29 "من التاميل و"8" مسلمين. وبذلك امسك السنهال بزمام الأمور , وظهرت مجموعة منهم من المثقفين وصناع القرار , وظهرت العصبية الطائفية وفضلت البوذية عما سواها من أديان للتاميل , بل ونزعت الجنسية السريلانكية عن مليون تاميلي بحجة أن بريطانيا أتت بهم من الهند , وأقصي ثلث نواب البرلمان التاميليين , وأقرت السنهالية لغة رسمية وحيدة , وأممت المدارس التاميلية , لمنع تدريس لغتهم  , فغادر آلاف الموظفين التاميل لعدم قدرتهم على استخدام لغة السنهال , وحل السنهال محلهم .

 

 


مظاهرات طلاب التاميل 

 

تفجيرات التاميل 

   وأوغرت صدور التاميل بالكراهية بعد أن باتوا في أوضاع سيئة , وارادوا تكوين وطن خاص لهم بلغته التاميلية  , فلجأوا لاستعمال القوة وكونوا جبهة مسلحة اطلقوا عليها  " نمور التاميل " عام 1976م  وتركزت تلك القوات في شيه جزيرة جفنة في الشمال , وحصلت على مساعدات مالية وأسلحة من تاميل جنوب الهند , فقامت حرب عصابات على الحكومة السريلانكية عام 1983م , وبلغت ذروتها عام 1987م , فكان على حكومة الجارة الكبرى الهند التدخل للصلح عام 1987م , حيث ارادت أن تصبح قوة اقليمية  - وكان وقتها رئيس الوزراء راجيف غاندي – وعقد الطرفان الصلح على البنود الآتية :

-        أن تدير المقاطعات الشمالية والشرقية ادارة تاميلية ويقتصر عملها على الادارة وحفظ الأمن كخطوة لتحقيق الحكم الذاتي .

-        نزع سلاح التاميل وخاصة نمور التاميل , وأن تدخل الهند بقوات لحفظ السلام في سري لانكا.

-        إعادة توزيع السكان التاميل وعودة التاميل الهنود لأراضيهم  وكذلك تاميل سري لانكا لأراضيهم .

وعارض السنهال الاتفاقية بمختلف طوائفهم الشعبية والسياسية والدينية لأنهم رأو أن التاميل ينالون حقوقاً لايستحقونها , وكذلك اعترض التاميل على الاتفاق , وعادوا لحمل السلاح والذي لم تسمح به الهند فزادت الهند من قواتها إلى 30 ألف جندي وحاصرت مضيق "بالك" لمنع الامدادت العسكرية للتاميل . واستمرت الحرب الاهلية السريلانكية لسنوات عديدة بين الحكومة وبين نمور التاميل وانتقلت من الشمال لمركز الحكومة في العاصمة "كولومبو", وراح ضحية تلك الحرب حوالي 100 ألف من الجنود والمدنيين العزل من السنهال والتاميل  , وضربت فيها اهداف اقتصادية بواسطة عمليات انتحارية وراح ضحيتها مئات من المدنيين حيث تم تفجير المركز التجاري الدولي بالعاصمة , وتفجير البنك المركزي , تفجير فندق الميريديان , كما قام التاميل باستهداف شخصيات سياسية – منها ماتم  قبل أن تظهر النمور عام 1976م – حيث تم اغتيال زعيم الاستقلال "باندرانيكا" عام 1959م , السياسي "بريماداسا"عام 1993م , رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي عام 1991م , بباقة زهور ملغومة راح ضحيته مالايقل عن 13 ضحية أخرى , وعشرات المصابين , ثم اغتيال مرشح الرئاسة "جاميني ديسكانيا" عام 1994م , وتدمير موكب رئيسة الوزراء تشاندريكا باندرانيكا" ومقتل عدد كبير من الحرس واصابة وفقد عينها اليمني عام 1999م , ولم يكن كل شعب التاميل في تعاون مع جبهة نمورهم في أعمال العنف , فقد رفض مسلمو التاميل التعاون معهم ضد الحكومة فتعرضوا للقتل وتدمير المنازل والطرد , فكان كثير منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين , كما تم تفجير كنيسة نافالي ومقتل العديد من المدنيين , وكان أطفال المدارس يتم خطفهم وقتلهم أو دفنهم أحياء . ولم تنتهي أطول حرب أهلية في آسيا إلا بعد مقتل برابهاكاران زعيم نمور التاميل عام 2009م على يد الجيش السريلانكي في كمين والذي بدأ حياته بأولى عملياته باغتيال رئيس بلدة جافني عام 1975م , ولم يمنح الوقت بتناول كبسولات السيانيد التي كان معتاداً تناولها من قبل عناصر نمور التاميل عند القبض عليهم وصفيت مراكز قوة النمور الثلاثة: السياسية , والمنظمة لجمع الأموال للتمويل , والعسكرية بقوتها البحرية التي اعتمدت على الزوارق الخفيفة بعد أن دمرت تقريبا نصف القوات البحرية الحكومية , ونمور الجو وتمتلك خمس طائرات خفيفة وهي الجهة الارهابية الوحيدة في العالم التي تمتلك قوة جوية , والنمور السود صاحبة العمليات الانتحارية , وأخيرا جناح المخابرات وذبح بذلك النمر الغاضب المتعطش للدماء  .

 

راجيف غاندي 

 

برابهاكاران 


    وسري لانكا الآن تحاول التعافي من تلك الحرب المدمرة , ولكن جارتها الكبرى الهند لاتراها بعين الرضا فقد استعانت في اقامة المشاريع الضخمة بمنافسة "الهند" العتيدة "الصين "  , فقد رأت سري لانكا أن الارتماء في احضان الصين البعيدة التي تحترم البوذية خير من الجارة الهندوسية التي كان بعض مواطنيها مستحوذين على خيراتها فيما مضى و ايضاً السبب في تمويل حربهم الأهلية . 


الجمعة، 1 يناير 2021

المولود الجديد مابين أسطورة فرس النهر و طائر اللقلق

  

 

طائر اللقلق الأبيض جالب الأطفال في الأساطير الأوروبية 

 

فرس النهر حامي الأم والمولود في مصر القديمة 


طالما كان ميلاد طفلاً هو شيء سار ومحبب لكل أسرة , فكان ذلك الكائن الصغير الضعيف مستأثراً بالجهد والعطف والحماية , والأم تكون متكررة الزيارات للطبيب منذ بدايات الحمل وحتى  ما بعد ولادة الطفل , فكلاهما يحتاجان للرعاية الصحية , ولكن في الأزمنة القديمة لم تكن التطعيمات واللقاحات والعناية الطبية كما كانت عليه في آيامنا هذا , وكان وفاة المواليد الصغار شيء وارد , بل وكانت حياة الأم مهددة بالخطر منذ بدايات الحمل , فكان لابد من اللجوء بقوى عظيمة لحماية الأم والمولود .

   

 


 


 تماثيل مختلفة لأنثى فرس النهر الحامية 

     

 وفي مصر القديمة على الرغم من تقدمهم الطبي إلا أنهم لجأوا لمعبودة حامية 

للأم آثناء الحمل والولادة وكذلك للوليد  , فكانت أنثى فرس النهر أو "إبي " 

بمعنى المرضع الحاضن و ظهرت تلك التسمية في نصوص الأهرام في الدولة 

القديمة ,  ثم اسم "ررت" والذي ظهر في الدولة الوسطى , ثم "تا ورت" في 

الدولة الحديثة  , وهي معبودة حامية منزلية استعان بها المصري كتمائم ونقوش 

على الأسرة و الأثاث و أدوات الزينة وكل مايشير بدلالات للخصوبة وكذلك

 على العصي السحرية للولادة , وقد ارتبط هذا الحيوان في ذهن المصري القديم

 بالبطن الممتلئ كرمز الخصوبة والحمل , وكذلك لاحظ شراسة هذا الحيوان

 واستماتته في الدفاع عن صغاره فوجدوا فيها المعبودة الحامية , وصورها

 المصري القديم كأنثى فرس نهر تقف على قدميها الخلفيتين وهما قدم أسد ولها 

بطن كبير وثديين متدليتين و ذيل تمساح , وجمع المصري القديم بين الثلاث

 حيوانات الشرسة زيادة في الحماية . وقد أضاف لها أحياناً الشعر المستعار , أو

 تاجاً يتخذ شكل قرص الشمس مابين قرني بقرة , وتعلوه ريشتان عاليتان .


اللقلق والأطفال في أفلام الكارتون 

   أما في التراث الأوروبي ارتبط كائن آخر بالحمل والميلاد , وهو طائر اللقلق – وإن ابتعد عن تعاويذ الحماية التي ارتبطت بها أنثى فرس النهر في فكر المصري القديم – ففي التراث الأوروبي كان الإجابة المعتادة للأطفال عند سؤالهم لذويهم كيف أتوا للحياة  ؟ فتكون الإجابة  : طائر اللقلق , فالأسطورة تروي أن طائر اللقلق الأبيض يطير حاملاً قماشة تحمل الوليد الجديد وتضعه على عتبة منزل الوالدين , فالأطفال الصغار أصغر من أن يدركوا كيف جاءوا لهذه الدنيا , وربما كانت تلك الفكرة ماثلة في اذهان ذويهم فترجموها لتلك الأسطورة , فطائر اللقلق الذي يغادر أوروبا للجنوب بحثاً عن الدفء في نهاية فصل الصيف يعود إلى دياره بعد تسعة أشهر في شهري مارس و أبريل و كأنها رحلة جنين من التكوين للولادة , وكانوا يظنون أن ابناء مواليد شهري مارس و أبريل كانوا نتاجاً لحفلات الزفاف الجماعي التي كانت تتم في منتصف الصيف يوم 21 يونيو , وكان يقام حفلاً منذ أن كانت أوروبا في عصور الوثنية للاحتفال بالحصاد والخصوبة , فكأن اللقلق يعود للديار مع مولد أولئك الأطفال وكأنه يجلبهم لأسرهم , وقد ظهرت تلك الأسطورة في قصص الأطفال الغربيين وفي أفلام الرسوم المتحركة أكثر من مرة .    

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

الفينيقيون أسياد البحار في العالم القديم

السفن الفينيقية تجوب البحار 
 

    ماذا يفعل الانسان إذا وجد نفسه يعيش على شريط ساحلي ضيق , لايزيد طوله عن مائتي ميل , ولا يزيد عرضه على 35 ميل , كثير الخلجان , متعدد المواني , يحده من الشرق الجبال المغطاة بأشجار الأرز والصنوبر والسرو التي قد تقترب من الساحل في بعض المواضع لتلاصق البحر , فتفصل أحيانا كثيرة بين الأقاليم الناشئة على الساحل , و جزر قريبة من الساحل انتقل ايضا للعيش عليها . ذلك كان حال الانسان الفينيقي في العصر القديم أو مايسمى الآن بلبنان .

من الآثار الفينيقية 

وتعد فينيقيا من أصغر دويلات العالم القديم , عرف سكانها الاستفادة من امكانياتهم الطبيعية ليكونوا حضارة عابرة للحدود , فقد كان عدد السكان يزيد ومساحة أراضيهم محدودة للسكن والزراعة , وكانت الغابات القريبة منهم غنية بالخشب الذي يصلح لبناء السفن , فكانت البداية بصيد الأسماك والبحث عن الزجاج أو الصلصال , ومبادلة السلع البسيطة مع المناطق المحيطة , ثم زادت الرغبة في ركوب البحر بعد القرن الثالث عشر الميلادي , حينما ضغط عليهم الأراميون في وسط سوريا , وأحاط بهم الاسرائيليون والفلسطينيون من الجنوب . فكان الحل الوحيد هو الهجرة بأعداد كبيرة .

سفينة فينيقية ضخمة 

وكانت البداية عندما كونوا محطات ومراكز في الأماكن التي تستقر بها سفنهم , فكانت في أول الأمر أماكن للراحة لأيام معدودة ,ثم زادت وتوسعت الأعداد وطالت فترات الاقامة , وخلال هذا التطور زادت قدراتهم البحرية فصنعوا في البداية الزوارق المكشوفة التي لاتقدر على مواجهة الأمواج العاتية , ولاتحمل سلعاً كثيرة , مصنوعة من خشب الأرز , مدهونة بالقار النباتي الذي قد يسرب الماء , ثم تطورت القوارب لسفن أكبر حجماً ذات مجاديف وأشرعة .

طرق التجارة التي سيطر عليها الفينيقيون 

  ثم أصبحت صناعة السفن الضخمة من اختصاصهم وبعدت بهم المسافات وبرعوا في فن الملاحة واستعانوا بالنجم القطبي , وأبحروا ليلا بالاستعانة بالنجوم , حتى أن أسماء النجوم الاغريقية هي نفسها الأسماء الفينيقية , وكانت لهم خطط مرسومة ولهم من الخبرات الطويلة أن سلكوا طرقاً بحرية لم يعرفها غيرهم وأصبحوا أصحابها .

  مثل طريقهم الأشهر الذي يمر من صيدا إلى صور ثم يمر بمصر أو يتجه لقبرص ثم يتجه غرباً إلى طوروس وليسيا  , عن طريق رودس وكريت ثم صقلية , ثم شمال أفريقيا ثم أسبانيا , وكانت لهم طرق أخرى تتجه للشمال أو الجنوب , فكانوا أول أمة بحرية في التاريخ جمعت بين نشاط البر و البحر .

  وكان من تقدمهم في انشاءالمراكز أن كانت لهم مراكز داخلية تصل موانئهم بالخليج العربي منها " اديسا" أو أورفة حاليا بتركيا ,وكانوا تجارا مهرة يأخذون الفضة و الحديد و القصدير والرصاص من أسبانيا , والرقيق و أواني النحاس الأصفر من" ايونيا "تقع قرب ازمير بتركيا حاليا , والكتان من مصر والخراف والماعز من شبه الجزيرة العربية , وذكر "هيرودوت " أن توابل بلاد العرب كان الفينيقيون يجلبونها ايضا.

   وإذا كان الفينيقيون قد تاجروا وبرعوا في الملاحة و أنشئوا محطات للاستراحة , فقد تطور الأمر حتى وصل لإنشاء مدن فينيقية , أما إذا كان الفينيقيون يتعاملون مع حكومات قوية فإنهم يكتفون بوكالات تجارية , وبشراء حق حرية التجارة , حيث ذكر هيرودوت أن الفينيقيون استقروا عند مصب النيل ويقصد "منف" وكونوا حياً سموه "معسكر الصوريين " وكان به معبد حسب وصف المؤرخ أنها " أفروديت الاجنبية " ويرجح أن لعشتار .

آثار فينيقية 

  وكان لفينيقيا سلعاً محلية اشتهرت بها , وهي : الخشب والقمح و الزيت و الخمر , فأخشاب فينيقيا الجيدة كانت تستوردها مصر والعراق لبناء المعابد والقصور وقوارب الصيد والسفن التجارية والضخمة أما الاخشاب المستقيمة والمستديرة فقد طلبت لذاتها ثم لاستجراج القار والراتنج العازل للماء اللازم للسفن وكانت اليونان تستورد أخشاب الأرز , ثم تطورت صناعتهم فاشتهروا بصناعة المنسوجات والصناعات المعدنية.

آثار فينيقية 

  ولشهرتهم استعان بهم حكام العالم القديم في الرحلات البحرية , مثل "نخاو الثاني" ملك مصر , "610-590ق.م " في رحلته حول افريقيا عن طرق رأس الرجاء الصالح في رحلة استغرقت ثلاثة أعوام . و آيضا النبي سليمان عليه السلام "960-922ق.م " اتفق مع "حيرام " ملك صور , على انشاء اسطولاً في ميناء "عصيون جابر " بالاستعانة بالبحارة الفينيقيين , وايضا ذكر في التوراة أن "حيرام " ارسل اسطوله مع اسطول "سليمان " عليه السلام إلى "أوفير " – يرجح أنها جنوب غرب الجزيرة العربية - , وأتى من هناك بالذهب والأخشاب النادرة و الأحجار النفيسة .

   وجدير بالذكر أن الفينيقيون كانت لهم سياسة خاصة في تكوين محطات الاستقرار أو المدن الجديدة , كانوا يدخلون بأعداد القليلة حتى لايثيرون أي شك , وكانوا يتداخلون سريعاً مع المجتمع المحيط خاصة أنه لم يكن لهم توجه سياسي معين , وبعد أن يتم الاستقرار يبدأون بالتواصل مع المدن الفينيقية الأم , وارسال منتجات البلاد المضيفة إليها .

مستعمرات فينيقية 

   فانتشرت مستعمراتهم من رأس الدلتا بمصر وحتى ساحل قليقية باليونان , وكذلك في جزر المتوسط في قبرص ورودس ثم صقلية و سردينيا , ثم وصلت حركة انشاء المستعمرات لذروتها في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد . بأشهر المستعمرات قاطبة وهي" قرطاج " في تونس , وقد تخطوا مضيق جبل طارق للمحيط الأطلنطي , وأنشأوا مستعمرة "قادس " قرب مصب الوادي الكبير على شاطئ أسبانيا الغربي , حيث كانوا يشحنون الفضة الأسبانية .

  وكانت في أسبانيا ايضاً مستعمرات فينيقية , منها : "مقة" أو ملاكة بالفينيقية ومعنى اسمها "دكان " أو معمل صغير , ويذكر "سترابو" أن الفينيقيون كان لهم مكاناً لتمليح السمك, وعثر في  "قرطبة  على نقود تحمل حروفاً فينيقية .

   وكانت أهم مراكزهم في جزر المتوسط هي صقلية ,و كانت محطة لسفرهم لمضيق جبل طارق , فكان لهم محطة في "بانورموس" أو باليرمو على أحد الخلجان و"سوليئس" عند أحد الرؤوس , و "موتيا" على جزيرة في بطن الخليج شمال رأس ليلييه , والتي كانت القاعدة الأساسية التي انطلقت منها قرطاج في حروبها الصقلية حتى حوصرت ودمرت عام  398 ق.م.

     ويذكر ديودور الصقلي أن الفينيقيون اتخذوا من مالطا وجولوس مراكز لسفنهم حيث تربط شرق المتوسط وغربه .

   وقد عثر في "سولكس" بسردينيا على فخار فينيقي , وكذلك في "كارالس "كالياري حالياً , أما "نورا" فكان بها قلعة فينيقية ومقابر من القرن السادس ق. م ومابعده وايضاً معبداً للمعبود "تانيت " ومجموعة كبيرة من اللوحات والأواني الجنائزية.

    أما بلاد اليونان , فقد انتشرت بها الأسماء السامية , وبعض المعبودات اليونانية تأثرت بالديانة السامية .

   أما أعظم المدن التي أسسها الفينيقيون خارج لبنان كانت "قرطاج" بالقرب من مدينة "تونس" حالياً , تأسست عام 814 ق.م , واسطورة نشأتها تروي أن "اليسا" ابنة ملك صور "متان" , هربت لشمال أفريقيا بسبب ظلم أخيها " بيجماليون " وسميت بالمدينة الحديثة أو " قرت حدشت " ثم حرفت إلى "قرطاج " .

  وكانت "قرطاج " تابعة لصور ترسل لها كل عام عشر دخلها , وكذلك رسولاً يقدم القرابين لمعبود صور" ملقارت ". ولكن بعد أن هجمات الملك البابلي "نبوخذ نصر" "605-562ق.م "  ضعفت "صور" " فتولت "قرطاج" زمام السلطة منها في سيادة مستعمرات فينيقيا في وسط البحر المتوسط , بل أسست مستعمرات جديدة مثل مستعمرة جزيرة "اليسا" بين سردينيا واسبانيا , ومستعمرة على شواطئ "مينوركا " بجزر البليار .

   غير أن الظروف تغيرت وقويت شوكة أمة بحرية تجارية ارادت أن تنافس "قرطاج" وهم اليونانيون , فكانت البداية في صقلية مع بدايات القرن السادس قبل الميلاد , فلم تستطع "صور" أن توقف  الطموح اليوناني في الفوز بالجزيرة حيث كانت تتعرض لهجمات آشورية وبابلية كلدانية , فتصدت "قرطاج" لتلك المطامع اليونانية , ثم حطت العناصر اليونانية على الساحل الليبي في "طرابلس" لمنافسة "قرطاج" , وظهرت "فارس" كقوة منافسة فقد دخلت مصر عام 525ق.م , فتطلعت للمراكز الفينيقية في شمال افريقيا ومنها "قرطاج" , فحدث الصدام بين الطرفين , ولكن البحارة الفينيقيون امتنعوا عن تنفيذ أوامر الأسطول الفارسي .

   ثم نشبت الحرب بين اليونان و"قرطاج" , عام 550ق.م , ونجح ملك قرطاج "ملخوس" في هزيمة وطرد اليونانيين في صقلية , ولكن ذلك لم يدم فقد هزمه اليونانيون في سردينيا فكان عقابه النفي من "قرطاج" على يد مواطنيه , فتحول للحرب ضد "قرطاج" وتولى حكمها عنوة , ثم جاء ابنه "ماجون" وكان ملكاً قوياً , وفي عام 535ق.م , انتصر الأسطول الفينيقي على غريمه اليوناني , ونتيجة لذلك طرد القرطاجيون اليونانيين من "كورسيكا" وأحلوا محلهم أهل "اتروريا" .

  وقد كان لأهل "قرطاج" أكثر من مكان في اسبانيا , فأصبحت سيطرة قرطاج على سواحل المتوسط تبدأ من حدود ليبيا حتى أعمدة "هيركوليس"أو مضيق جبال طارق  وجزر المتوسط البليارد ومالطة وسردينيا , وخرجت لسواحل أسبانيا والغال , فإذا كانت صيدا وصور لم تستطع أن تكون امبراطورية لقوة مصر وآشور , فقد استطاعت قرطاج  ذلك .

 وطوال القرن الخامس قبل الميلاد كانت "قرطاج" في حروب على أرض صقلية , فاستقوت قرطاج بقوة ناشئة هي "روما" فدخلت معها في حلف عام 509ق.م . ولكن السلام لم يدم مع روما فقد اصطدمت القوتان في حرب سميت بالحرب البونية الأولى "268-241ق.م " كان النصر البحري فيها للرومان , ولكنهم فشلوا في افريقية , فاستعانوا هذه المرة بأهل صقلية ضد قرطاج فكان النصر حليفهم .

  وظل الثأر يشغل بال أهل قرطاج فكان القائد القرطاجي "هانيبال" أو "حاني بعل " بمعنى "نعمة بعل" واحد من هؤلاء وظل الثأر مراده حتى شرع الهجوم على روما في عقر دارها , ملتفاً حولها من أسبانيا ماراً بجبال الألب , في قتال استمر 15 عاماً هوجمت فيها  "روما" نفسها " , إلا أن الرومان وجدوا أن الحل في مهاجمة قرطاج ليسرع بنجدتها "هانيبال" ويخفف من وطأة قبضته على روما وبالفعل تم استدعائه لأفريقية  لمهاجمة الرومان لها فحدث اشتباك في معركة ضخمة سميت بمعركة "زاما" عهام 202ق.م . هزم فيها الجيش القرطاجي المنهك في حروب دامت طوال 17 عاماً خارج أراضيه , وطلب مجلس الشيوخ القرطاجي السلام من روما .

    ولكن "هانيبال " لم يستسلم فقد هرب عام 196ق.م إلى صور , ثم اشترك مع  ملك سوريا "أنطيوخس" في حربه ضد روما , التي كان النصر حليفها , فانتحر لذلك "هانيبال" عام 183ق.م .

    ولكن مازال في قلوب أهل قرطاج الرغبة في الحكم والسيادة في غرب المتوسط وكذلك الانتقام فقامت الحرب البونية الثالثة "149-146ق.م " انتصر فيها الرومان ووجدوا الحل في تخريب قرطاج تماماً وحرقت لمدة 17 يوماً . وحرم بناء أي مساكن موضع المدينة التي خربت , ثم جاءت روما بعد ذلك بأربع وعشرين سنة لتبني مدينة رومانية جديدة محلها .

  وللفينيقيين مستعمرات أخرى غير قرطاج في شمال افريقيه , منها "اوتيكا" أو عتيقة بمعنى القديمة حيث كانت أقدم مستعمرة فينيقية في شمال أفريقيا أسستها "صور" عام 1100ق.م . عند مصب نهر بجراداس أهم أنهار تونس , وهناك مدينة "هيبو" أو بنزرت الحالية وكانت ميناءاً كبيراً على بحيرة بنزرت , وايضاً توجد مدينة "ليبتس " بجوار خليج سرت ولم يكن لها مرفأ سوى مصب نهر , وهناك   ميناء فينيقي جنوب "موجادور" الحالية على شاطيء المغرب بين الدارالبيضاء وأجادير وكان ذلك أبعد ميناء فينيقي على ساحل شمال أفريقيا.