التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


الجمعة، 30 سبتمبر 2022

الأقصر مدينة التاريخ

  


على بعد 670 كم من القاهرة , تقع مدينة الأقصر مركز  الدنيا في الماضي , وعاصمة الامبراطورية المصرية والتي كانت قبلة العالم المتحضر والمكان الأكثر زخماً بالآثار في العالم في وقتنا الحالي .

  لم تعد الأقصر العاصمة السياسية لمصر منذ عقود طويلة , ولكن آثارها ظلت كسجلات لتاريخ مصر و على معابدها ومقابرها سجلت أيام النصر والفخر , بل أن بمجموعة آثار الكرنك عثر على قائمة في معبد للملك" تحتمس الثالث" , تعتبر من أهم مصادر التاريخ القديم , وسميت بقائمة الكرنك , وصور فيها الملك "تحتمس الثالث " يتجه بدعواته لواحد وستين ملكاً من اسماء أسلافه , وللأسف بداية القائمة تحطم , وأول اسم مقروء هو الملك "سنفرو " مؤسس الأسرة الرابعة ثم يليه بعض ملوك هذه الأسرة , ثم ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة تلاها بعض ملوك الأسرة الحادية عشر إلى السابعة عشر . وقد أغفلت هذه القائمة اسماء الملوك التي لم يؤمن "تحتمس الثالث" بشرعيتها ومنهم ملوك عصر الانتقال الأول وملوك الهكسوس .

   وبرغم أن الازدهار العظيم كان لتلك المدينة في الدولة الحديثة , إلا أن الأبحاث أكدت أنها ذكرت في الدولة القديمة وتحديدا في الأسرة الرابعة في نصوص الأهرامات وأن الملك "خوفو" قام باصلاحات في معبد آمون بمدينة "نو آمون " أو مدينة الإله الواحد أي أنها كانت موجودة بالفعل , بل أن هناك أسطورة دينية تؤكد أنها أقدم مدينة على الأرض وتقع الأقصر في الاقليم الرابع الجنوبي بمصر العليا ويدعى "واست " أو الصولجان وكان في البداية هذا اسمها ثم اطلق هذا الاسم على الاقليم كله . ووجد هذا الاسم على لوحة ضمن تماثيل "خفرع " بمعبد الوادي وصور الاقليم على هيئة آلهة تقف يسار الملك وقد وحد الاله آمون ورع إله الشمس وصار آمون رع فسميت الأقصر "أون الجنوبية "تمييزاً عن مدينة "منف" .

   وإذا كانت الأقصر أو "طيبه " كما اشتهرت في المراجع التي تناولت التاريخ القديم , ضمن اقليم "واست " أو الصولجان فقد كان يرمز له بصولجان أو عصا مزدانة بريشة نعام ومربوطة بشريط تحملها الآلهة وتلك الشارة تعني السعادة حيث أن تلك المدينة متوقع لها المستقبل المزدهر . وكانت ايضا ً تلقب في الدولة الحديثة بالمدينة المنتصرة , وقد جسد اسم "واست" على شكل إلهة تمسك بيديها القوس والسهم وتحمل فوق رأسها علامة المدينة  , وفي عصر البطالمة سميت " واست مدينة آمون , سيدة كل المدن " .

وذكرها هوميروس في الالياذة بأنها "طيبة  مدينة المائة باب ", لكثرة بواباتها الشاهقة , وربما أطلق عليها الاغريق ذلك الاسم لقرب شبهها من مدينة طيبة اليونانية , وقد اطلق الاغريق اسم إلههم "زيوس " على "آمون " فاسموا المدينة "ديوس بوليس " أو مدينة الإله زيوس

وكان ذلك للضفة الشرقية أما الغربية فاسموها "ممنونيا " , جدير بالذكر أن ذلك كان يندرج تحت الدعاية السياسية التي تضمن لهم ارضاء شعب مصر لكونهم حكام أجانب . أما في عصر الرومان اسموها "ديوس بوليس ماجنا" أو مدينة زيوس العظيمة و "مترو بوليس " كأغلب عواصم الأقاليم وكانت هدفاً للسياح والرحالة الذين اعتبروا آثار مصر القديمة شاهداً على حضارة لم يروا عظمتها من قبل .

   وفي العصر الاسلامي سميت بالأقصر حيث ظنوا معابدها ومبانيها الكثيرة قصوراً  .

  ومنطقياً أن عظمة الأقصر لم تنبثق بين يوم ليلة أو بمقياس عظمة الحضارات لم تكن بضع مئات السنين , بل كانت حضارات تراكمية تبارت في اضافة أعظم العلامات الحضارية الخاصة بها . فنجد أن الانسان ترك أدوات من الظران – حجر الصوان – من العصر الباليوليثي في تلك المنطقة , كما وجدت دفنات في أرمنت ترجع إلى 4000 عام قبل الميلاد من العصر الحجري الحديث , وكانت الحياة في الأقصر- والتي سنتناولها في باقي حديثنا بواحد من اسمائها وهي طيبة – كانت في وقت الدولة القديمة حياة هادئة بسيطة ثم سلطت عليها الأضواء مع بداية الدولة الوسطى في الأسرة الحادية عشر والتي اختارها ملوكها في تخليد ذكراهم بعد الموت فكان البر الغربي مكاناً لذلك ونجد أنه ظهر طراز جديد في مقبرة الملك "منتوحتب نبت حبت رع " فكانت مقبرة جمعت بين الهرم وبين المعبد ذي الشرفات بها حجرتين للدفن أحداها مزيفة والأخرى حقيقة , وللأسف لم يبق منها سوى الأطلال , وأحاط بها مقابر رجال دولته , بالإضافة لقبر كبير منحوت في الصخور لستين جندياً ودفنت معهم أدواتهم الحربية يبدو أنهم استشهدوا في إحدى المعارك لتوحيد البلاد بعد أن عانت مصر قبلهم من الحروب الأهلية . ثم تأتي الأسرة الثانية عشر ومؤسسها الملك "أمنمحات الأول " – معني اسمه آمون في المقدمة – فكان آمون الإله الرسمي للأسرة وبرغم من نقل عاصمة البلاد من "طيبه " إلى مكان في الشمال سماه "اثت تاوي " أو القابضة على الأرضين ويرجح أنها تقع بالقرب من اللشت وبنى هناك هرماً , أما آثاره في طيبة فكان مساهماً في بناء مجموعة معابد آمون بالكرنك , ثم أكملها من بعده ابنه "سنوسرت الأول " في معبد آمون هناك , وأكمل من بعده ايضا ً خلفاؤه ومنهم "أمنمحات الثالث " , واجمالاً لم يبق من اسهامات الأسرة الثانية عشر سوى المقصورة الجيرية البيضاء للملك سنوسرت الثالث .

   وبانتهاء الأسرة الثانية عشر تنتهي الدولة الوسطى وتعود مصر لفترة انتقالية اضمحل فيها النشاط الحضاري في طيبة .

   ثم تأتي الدولة الحديثة بالأسرة الثامنة عشر ومؤسسها "أحمس " فكانت عاصمة البلاد الرسمية هي " طيبة "- بعد أن كانت طيبة معزولة إلى حد ما عن الشمال بعد عصور الانتقال و دخول الهكسوس لمصر وتكوين عاصمتهم في الشمال  -فانتشرت المعابد في البر الشرقي مثل الكرنك و الأقصر , والمعابد لتكريم الملوك الموتى على الضفة الغربية بالقرب من الأراضي المزروعة , ويلاحظ أن المعابد زاد اتساعها وعظمتها , أما المنطقة الغربية الصحراوية التي دفن فيها الملوك وسميت "وادي الملوك " فقد حفرت المقابر في الصخور بسرية تامة خوفاً من لصوص المقابر , أما كبار رجال الدولة فقد حفرت مقابرهم في طيبة الغربية في جبانات عدة هي : جبانة دراع أبو النجا , جبانة العساسيف , جبانة الخوخة , جبانة شيخ عبد القرنة , جبانة دير المدينة , جبانة قرنة مرعي .

   ولمع اسم المهندس "انيني" في عهد كلا من الملوك "أمنحتب الأول " و "تحتمس الأول " في تلك الفترة , فاشرف على اقامة معبداً لذكرى "امنحتب الأول " ولأمه "أحمس نفرتاري " بحافة الصحراء الغربية من جبانة ذراع أبو النجا , و اضيف في عهد "أمنحتب الأول بعض المقاصير لمعبد آمون بالكرنك . واستمر خلفه " تحتمس الأول " بالاستعانة بانيني في استكمال معبد آمون مسلتين منهم واحدة لازالت موجودة حتى الآن  .          

 ثم توالت الانجازات لخلفاءه ومنهم "حتشبسوت " التي استعانت بالمهندس " سنموت " لاستكمال معبد آمون وأقامت مسلتين مازلات الشمالية موجودة حتى الآن , كما أنها بنت معبداً خاصاً بها للإله "آمون " بالاضافة لمقاصير خصصت لعبادة حتحور وأنوبيس و رع حور آختى . كما بنت مقبرة لنفسها وسط الملوك باعتبارها ملكاً على مصر .


                                          معبد حتشبسوت 

   وقد خلف "حتشبسوت " الملك " تحتمس الثالث " صاحب الامبراطورية المصرية المؤيدة من الإله "آمون" فازداد في عهده بناء المعابد وقد أقام سوراً يحيط بمسلتي عدوته "حتشبسوت " ليخفيهما , وأقام هو كذلك المسلات نقلت في عصرنا الحديث إلى "لندن , نيويورك , روما , اسطنبول " .

                                             

                               مسلة تحتمس الثالث باسطنبول 

  وقد توالى الخلفاء من بعده في توسعات واضافات لمعابد الكرنك والاستمرار في اقامة معابد لتخليد الذكرى والمقابر في البر الغربي , وقد تميز تحتمس الرابع بإقامته لمسلة من أعلى المسلات المصرية وتقع الآن في روما . ثم جاء الملك "أمنحتب الثالث " صاحب طرق الكباش حيث طريق آمون البري لزيارة معبد زوجته الإلهه "موت " الأم بفرعه الشرقي , والغربي الموصل لثالوث طيبه المقدس" آمون"  وزوجته "موت" وابنهما "خنسو " , وشيد ايضا " أمنحتب " الثالث , قصرا في البر الغربي , وحفر أمامه بحيرة عظيمة فعرفت ببحيرة "هابو" , وقد حفر مقبرته بوادي الملوك الغربي حيث لم يوجد في ذلك الوادي سوى مقبرة الملك "آي " .

                                             

                                      بحيرة هابو 

    وبمجيء  "أمنحتب الرابع " والذي جعل "آتون " قرص الشمس إلهاً رسمياً للبلاد و بنى له معبداً داخل الكرنك شرق معبد " آمون " فدخل في صراع مع كهنة "آمون " الذين تآمروا عليه , وكان رده عليهم بمحو اسم "آمون " من البلاد بل وغير اسمه ليقترن بالمعبود الجديد وأصبح " أخن آتون " ثم نقل  العاصمة إلى " أخيت آتون " في الشمال والتي الان تقع في محافظة المنيا بتل العمارنة , وظل الحال كذلك اثنتا عشر عاماً , حتى في عهد خليفته "سمنخ كا رع " الذي عاد لطيبة , وعندما أتي "توت عنخ آمون " من بعده استكمل انجازاته تمجيداً لآلهة طيبة  بمعبد الأقصر , ثم حفر مقبرته الشهيرة بطيبة ومن بعده خليفته "آي" .                               

أما آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر "حورمحب " الذي أراد تأييد كهنة " آمون " فنجد أنه هدم معبد آتون بالكرنك واستخدم أحجاره كحشو للصروح التي أقامها في الكرنك .

    وتوالت الأسرتين التاسعة عشر والعشرين على طيبة فقد ازدهر البناء في الكرنك وساهم كل من "رع مسيس " الأول و "سيتي" الأول و " رع مسيس " الثاني في إتمام بهو الأعمدة الضخم بمعبد آمون , واستمر البناء في المعابد لتخليد الذكرى وحفر المقابر في البر الغربي . فكان لسيتي الأول مقبرة ضخمة , ولرع مسيس الثاني معبد الرمسيوم لتخليد ذكراه وكان له أضخم تمثال للملك .

                    

                                              معبد سيتي الأول 

  أما "رع مسيس " الثالث آخر ملوك مصر العظام ساهم هو الآخر في البناء بطيبة فأقام معبدين صغيرين لآمون ومعبداً ضخماً لتخليد ذكراه في هابو و حفر مقبرته بوادي الملوك . وماجاء بعد ذلك كان لم يكن في صالح طيبة أو مصر , حيث فقدت مصر سيطرتها على آسيا , وانفصلت عنها النوبة , بل كان يحكم مصر في الأسرة الحادية والعشرين بيتان ملكيان الأول سيطر على الدلتا ومصر الوسطى , والآخر في طيبة بواسطة كبير كهنة آمون . 

                                    

                                 مقبرة رع مسيس الثالث

   أما في الأسرة الثانية والعشرون فقد دخل فيها الليبيون مصر وأقاموا عاصمة في تل بسطة بشرق الدلتا ومع ذلك ساهموا في بناء الفناء الضخم المفتوح بين الصرحين الأول والثاني بمعابد آمون بالكرنك وقد عرف بفناء الليبيين . 

  وللأسف كانت مصر ضعيفة في الأسرتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين , فجاء الملك النوبي"بعنخي "  مستعمراً و أسس الأسرة الخامسة والعشرين و وقد اهتمت تلك الأسرة بمعابد آمون في طيبة فقد أقام  الملك "طهرقا" عشرة أساطين ضخمة في الفناء الأول بالكرنك لم يبق منها إلا واحداً وقد تميزوا كلهم بتيجان ضخمة على شكل زهرة البردي المفتوحة .

                                      

عمود طهرقا المتبقي 

  ثم دخلت جيوش الملك الآشوري "آشور بانيبال " مصر واحتلت مصر كلها ودمرت مدينة منف عام "671 " ق.م وسقطت طيبة في يد الآشوريين , ثم استطاع المصريون استعادت بلادهم من الآشوريين وطردهم بعد أربعة عشر عاماً من الحروب التي تبادل الطرفان فيها النصر والهزيمة , وانتقلت عاصمة مصر في عهد الأسرة السادسة والعشرين إلى سايس "صا الحجر في غرب الدلتا " وشهد التاريخ محاولات اصلاح حاكم "طيبة " "منتو محات " مادمرته آشور .

  ثم كانت نهاية الأسرة السابعة والعشرين على يد الفرس وملكهم قمبيز الذي عاث في المدينة تدميراً وحرقها وقتل أهلها  .

  ثم تمكن الاسكندر الاكبر من دخول مصر وطرد الفرس منها عام 332ق . م , ثم ترك مصر ليكمل فتوحاته بعد أن خلف عليها أخيه "فيليب أريدوس " فأقام هيكلاً للمركب المقدسة وسط منطقة حتشبسوت بمجموعة الكرنك , وقد أمر باصلاح المعابد التي حطمها الآشوريون والفرس – تقرباً لأهل مصر - , ومنهم مقصورة الملك "تحتمس الثالث " المهدمة فأزال المحطمة وبني واحدة مازالت قائمة حتى الآن , وبعد الاسكندر الاكبر شيد البطالمة  العديد من المقاصير والبوابات في الكرنك والأقصر كنوع من الترضية للمصريين وكهنتهم ثم اتجهت أضواء العالم القديم إلى العاصمة الجديدة الأسكندرية بمكتبتها و جامعتها وقصورها وأحياءها الشهيرة .

   وفي  عهد الرومان كانت طيبة مدينة سياحية للرحالة و المغامرين ليسجلوا في مذكراتهم عظمة تاريخ مصر القديم حيث كانت آثار طيبة قد مر عليها مئات السنوات وأصبحت من التاريخ القديم .

     ثم دخلت المسيحية مصر , وانتشرت بشكل سريع ولاقت مقاومة شديدة من الرومان وبلغ قمة الاضطهاد في عهد الامبراطور "دقليانوس " 248 - 305 م . فشهدت كهوف الأقصر ومغاراتها احتماء المسيحيين من اضطهاد الرومان لهم وتحديداً منطقة مغارات "حاجر المساوية " بمركز اسنا جنوب الاقصر , والتي تعد من المناطق الأثرية الآن . ثم صارت المسيحية ديانة رسمية لمصر عام 392م , بل وحرمت أي ديانة وثنية على أرضها , و حل بناء الكنائس محل بناء المعابد , وفي الأقصر ولاتزال بقايا منها موجودة حتى الآن , بل حولت بعض المعابد إلى كنائس , وشهد معبد الأقصر في الركن الشمالي من الفناء الأول بناء كنيسة بني فوقها مسجد أبى الحجاج في العصر الأيوبي , وبني أيضاً دير داخل وفوق معبد الدير  البحري. وأثناء الحفر بطريق الكباش والذي يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات , عثر على بقايا كنيسة أثرية من القرن الخامس الميلادي , بنيت بكتل حجرية بمعابد من العصر البطلمي وعثر على معصرتين للزيوت إحداهما بجوار الكنيسة وهي عبارة عن غرفتين وصنبور وقد تم الكشف عن اجزاء تكميليه من الحجر الرملى أما المعصرة الثانية فكشف عنها فى القطاع الرابع من طريق الكباش وهي أكبر من المعصرة الأخرى و إن كانت قيمتها المعمارية أقل , كما عثر على مقياس للنيل في القطاع الرابع من طريق الكباش يعود للعصر المسيحي , على شكل دائري يحتوي على سلم حلزوني قطره سبعة أمتار , وعثر على إناء اللقان والذي يستخدم في الطقوس المسيحية , وعثر على بعض جدران المنازل المبنية معظمها من الطوب اللبن وترجع الى أواخر العصر القبطى وأوائل العصر الاسلامى .

 

ثم  دخل الاسلام مصر عام 640 م , وانتشر بين أهلها , فكانت المثوى الأخير لأحد الصالحين القادمين من العراق وهو السيد يوسف بن عبد الرحيم بن يوسف وينتهى نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه وكان شيخاً فقيهاً في المذهب السني, و يكنى بأبى الحجاج ثم أضيف إليها  الكنية الأقصرى نسبة إلى مدينة الأقصر حيث مستقره الأخير وقد توفى بالأقصر عام 642هـ/ 1244م فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب وكان عمره أكثر من تسعين عامًا وقد دفن بضريحة القائم فوق معبد الأقصر و له مسجده عظيم مازال قائمًا حتى الآن داخل معبد الأقصر   , وكانت أعمدة المسجد جزءا من أعمدة المعبد  ومحراب المسجد حفر بداخل أحد الأعمدة , بل أن الراهبة "تريزا " دفنت بجوار الحجاج ويقال أنها كانت من الصالحات التي تساعد الحجاج في الانفاق على طلبة العلم فأمر الحجاج أن تدفن بجواره بعد وفاتها اكراماً لها , وقد بني على الطراز الفاطمي بالرغم من أنه كان معاصراً للعصر الأيوبي  ولأبي الحجاج  مولد يقدر عدد زائريه في وقتنا الحالي بحوالي 6 مليون نسمة وذلك في النصف الأول من شعبان .



مسجد أبي الحجاج الأقصري 


                                

المسجد مبني بالأعمدة المصرية القديمة 




المحراب منحوت بداخل عمود لمعبد الكرنك 

قبر السيدة تيريزا 

وقد ذكرت الأقصر في كتابات الرحالة المسلمين ونذكر منهم "ابن بطوطة" في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي , فوصفها بكونها مدينة صغيرة ولكنها حسنة وذكر قبر أبي الحجاج الأقصري وزاويته , أما في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي فذكرها المؤرخ " ابن دقماق" باسم "الأقصرين" وكيف كانت تدر والقرى التابعة لها دخلاً يقدر بحوالى تسعة آلاف دينار .وقدرت تلك المساحة بستة عشر ألفا وتسعمائة فدان وفدان واحد وهي بالبر الشرقى من النيل وبها عنب فى غاية الكبر والحسن , وذكر كذلك أنه يصنع بها فخاراً أبيضاً له لا مثيل له في مصر في النقاء والرقة, وذكر كذلك أبو الحجاج الأقصرى الشيخ الفقيه , وفي الحفريات الحديثة بطريق الكباش تم العثور على العتب الأصلى لمسجد المقشقش – والذي نقل الآن من مكانه بوسط معبد الأقصر – وعرف عن ذلك المسجد بالتبرك للفتيات الراغبات في الزواج ,  كما عثر على المئذنة القديمة  مسجد أبو الحجاج والقبة التى تسمى بالاسم نفسه ومئذنة مسجد أحمد النجم.

                         

                                              صورة قديمة لمسجد المقشقش                     

  وفي نهاية القرن التاسع عشر , وبعد أن استطاعت الامبراطورية البريطانية أن تهزم أحمد عرابي في التل الكبير عام 1882م , و تحتل مصر , فتح الباب على مصراعيه للأجانب, لزيارة مصر ولا سيما الأقصر , فكانت الحاجة ملحة لبناء الفنادق العصرية , خاصة و أن الأقصر قد أصبحت مزاراً هاماً لزيارة الرحالة والمستكشفين ,  فانشأ المستكشفون البريطانيون   فندق سوفيتيل وينتر بالاس عام 1886 م و الذي مازال يستقبل السائحين حتى يومنا هذا ، وهو فندق 5 نجوم ويطل على على نهر النيل بني على الطراز الفيكتوري وتم زراعة النباتات الاستوائية بحدائقه ويضم أكثر من 80 غرفة وستة أجنحة , ومنذ انشائه وحتى الآن أقام فيه أبرز الشخصيات العالمية التي زارت الأقصر لا سيما المستكشفين والمؤرخين حيث بالإضافة لاطلالته على النيل فهو يقع على مسافة قصيرة من معبد الأقصر . 

                                 

                             فندق سوفيتيل وينتر بالاس

    ومازالت الأقصر حتى الآن تستقبل السائحين من جميع أنحاء العالم -سواء من أراد زيارة آثارها أو من أراد التمتع بمناظرها الطبيعية -, بل و ظلت احتى الآن لم يفصح سطح أرضها وجوفه , بكل ما مر عليها من أحداث عظيمة , كانت لها توابع قوية على العالم القديم , لأكثر من ألف عام . 


الأحد، 31 يوليو 2022

لعنة تيتانيك

   

السفينة أر إم إس تيتانيك 

 عندما جاء العقد الثاني من القرن العشرين كانت شركة "وايت ستار لاين " التي تتبع المملكة المتحدة من أكبر شركات الملاحة العالمية وكانت تملك السفن عابرة المحيطات لاسيما الجوهرة النفيسة " أر إم إس تيتانيك " أكبر سفينة وقتها "الوزن52,310 طن - الطول   269.1 متر – العرض 28متر -عمق الماء10.5 متر-الارتفاع    53.3 متر"  والتي غرقت يوم 14 أبريل 1912م بعد رحلة دامت أربعة أيام ونجا منها 706 شخص من أصل 2223 شخص . 

    و كانت شركة " وايت ستار لاين  " قد صنعت من قبل أكبر سفينة في العالم حتى جاءت "تيتانيك" وانتزعت منها اللقب وكانت تسمى "أر إم إس أوليمبيك " الوزن 52.310 طن  - الطول      269.00متر- العرض 28.1متر  - الارتفاع    53.3 متر" والتي صنعت عام 1911م وكانت كبيرة الشبه بتيتانيك حتى كانت تسمى توأمها , وفي 20 سبتمبر 1911م كانت "أوليمبيك " تسير بسرعة بجوار الطراد البريطاني " إتش إم إس هوك " عبر مضيق "سولنت " الانجليزي , فاتجهت "أوليميبك " ناحية اليمين فجأة متخذة نصف قطر واسع ولم يقدر "هوك " على مفاداتها , حيث كان تصميم قوس "هوك " كطراد يعطي لها ميزة إغراق السفن عن طريق صدمها , فاصطدمت بجانب "أوليمبيك "الأيمن بالقرب من المؤخرة , فأدى ذلك لفيضان داخل "أوليمبيك" فوق وتحت خط الماء , وفيضان في اثنين من  مقصوراتها المانعة لتسرب الماء, ولكن "أوليمبيك " صمدت وعادت لميناء "ساوثهامبتون " الانجليزي . دون أي خسارة في الأرواح أو اصابات بجروح جسيمة , أما "هوك" فتعرض قوسها لأضرار جسيمة وكادت أن تنقلب .  وبعد  اصلاحها ,عادت للعمل ثم أغرقتها الغواصة الألمانية "إس أم يو 9"  في أكتوبر" 1914"م  .

تيتانيك تحت الانشاء على اليمين بجانب أوليمبيك على اليسار 


  وكان قائد "أوليمبيك " القبطان "إداوارد سميث " قائد "تيتانيك " بعد ذلك وكان ينوي التقاعد بعد انتهاء رحلة تايتانيك الأولى ولكنه غرق معها . وكان هناك ايضاً اثنان من أفراد الطاقم وبالتبعية يعملا في شركة "وايت ستار لاين " وهما الممرضة "فيوليت جيسوب " والوقاد "آرثر جون بريست " وقد خرجا أحياء من حادث "أوليميبك " لينتقلا إلى "تيتانيك " وينقذا مرة أخرى منها ثم إلى "بريتانيك " ليخرجا منها بسلام .


 

الكابتن ادوارد سميث 

 

         الممرضة فيوليت جيسوب

 

         آرثر جون بريست 

 



وبعد غرق "تيتانيك " رجعت "أوليمبيك " للقبها السابق كأكبر سفينة في العالم حتى عام 1913م , ثم استخدمتها بريطانيا كسفينة حربية خلال الحرب العالمية الأولى "1914-1918"م , ثم عادت كسفينة مدنية حتى لم تعد مكاسبها كما كانت وقت الكساد العظيم والذي بدأ عام "1929"م ثم  انتهى الأمر ببيعها كخردة عام "1935" م . بل أن شركة "وايت ستار لاين " نفسها قد تم تصفيتها عام "1934 "م . وقد اشترطت بريطانيا تقديم المساعدة لها وكذلك لمنافستها "كونارد لاين " إذا مااندمجوا ككيان واحد , وبالفعل تم هذا , حتى عام 1949م , حتى اشترت "كونارد لاين " " وايت ستار لاين " واختفى اسم الأخيرة تدريجياً تماماً من على جميع السفن .

كونارد وايت ستار لاين 


   وتعد شركة " وايت ستار لاين "  مزيج من التصميم والاصرار وسوء الحظ فبعد غرق "تيتانيك " أرادت صنع سفينة كبيرة كعادتها فكانت ثالث أكبر سفينة للشركة وهي "إتش إم إتش إس بريتانيك" "الطول269.06 متر  - العرض    28.65 متر -الارتفاع   18.4 متر"  لتبدأ الخدمة عام "1914" م . إلا أن البحرية البريطانية صادرتها في الحرب العالمية الأولى وحولتها إلى مستشفى عائم. وفي "21 نوفمبر 1916" م غرقت السفينة في أقل من ساعة، و لم يحدد سبب غرقها ، ثم تم الكشف بعد ذلك أن الألغام الألمانية قد زرعت في قناة "كيا" ببحر إيجه على سواحل اليونان , وقد بلغ عدد الوفيات 30 شخصا ومن ضمنهم لواء في الجيش الألماني حيث استطاع معظم من كانوا على السفينة الهروب على متن 35 قارب نجاة .


              السفينة بريتانيك 

 

               حطام بريتانيك 

  

     وإذا عدنا بالأحداث لغرق "تيتانيك " نجد أنه لم يكن مفاجئاً فقد كانت هناك سفينة بريطانية تدعى "إس إس كاليفورنيان " تبعد عن "تيتانيك " ببضعة أميال , وقد حذرتها عن طريق الراديو من كتل الجليد , وارسلوا هذا لعامل اللاسلكي " جاك فيليبس " والذي نهرهم بحجة أنه يرسل رسائل الركاب , وفي الوقت نفسه توقفت "إس إس كاليفورنيان " في الليل , لحماية نفسها , حيث علقت في حقل جليدي , إلا أنها تلقت اشارات الاستغاثة من "تيتانيك " متأخراً , ثم لاحظت اختفاء الأضواء التي كانت تنبعث منها  , وفي الفجر أرسل الرئيس التنفيذي للشركة , رسالة لاسلكية بغرق "تيتانيك " , فاتجهت "كاليفورنيان "  إلى "تيتانيك " لمساعدتها , لتجد أن سفينة "كارباثيا " قد انتشلت جميع الناجين . وقد ألقى اللوم على سفينة " إس إس كاليفورنيان " في عدم نجدة "تيتانيك " من البداية ولكن لم يكن ذلك بشكل رسمي , ولكن يبدو أن لعنة تيتانيك قد أدركت تلك السفينة فكان عمرها قصيرا فإذا كانت  أولى رحلاتها عام 1901م , فقد أدركت نفس مصير "تيتانيك " و  غرقت بواسطة  الغواصات الألمانية " SM  U-34  " و "U-35 " ، في شرق البحر الأبيض المتوسط بالقرب من سواحل اليونان في9 نوفمبر 1915م ​​خلال الحرب العالمية الأولى .

.

 

          ضابط اللاسلكي جاك فيليبس 

 

                       السفينة كاليفورنيان 

 

  و في ليلة 14 أبريل وبعد ساعتين من غرق تيتانيك , أرسلت العناية الإلهية لمن كان في البحر من ركابها سفينة" آر إم إس كارباثيا" والتي كانت ملكاً لشركة "كونارد لاين " و قبطانها "آرثر هنري روسترون " حيث أخذ قرار شجاع فبعد تلقيه نداءات الاستغاثة من "تيتانيك " غير مساره وتوجه إلى احداثياتها وجعل محركات السفينة تعمل بأقصى طاقتها وأمر الطباخين بإعداد وجبات غذائية ساخنة لتقديمها للناجين , وقد مر بمساحات كبيرة من الحقول الجليدية الخطرة  , وقد تمكنت السفينة من انقاذ 706 ناجياً ممن كانوا على قوارب النجاة . وتسلم قبطانها جائزة في مايو 1912 م بسبب مساعدته لركاب "تيتانيك " . ولتلك السفينة تاريخ قصير حافل فكانت أول رحلاتها عام "1903" م من ليفربول لبوسطن وانتهت مسيرتها غرقاً – وكأن مصير تيتانيك قد قفز إليها - وتوفي خمسة من طاقمها , بطوربيد من الغواصة الألمانية " إس إم يو-55 " في يوليو "1918" م . وذلك قبالة السواحل الأيرلندية حيث كان الألمان يحيطون بحار المملكة المتحدة بغواصاتهم .

 

                  السفينة كارباثيا 

 

            حطام كارباثيا

   ويبدو أن غرق تيتانيك قد خلد في ذاكرة التاريخ وغطي عما سواها حتى لو كانت تلك السفينة قد غرقت بعدها بثلاث سنوات فقط وكانت ايضاً تابعة للمملكة المتحدة وكانت كذلك خط سيرها من المملكة المتحدة للولايات المتحدة "ليفربول – نيويورك " . وكانت أعداد قتلاها قد قارب تيتانيك وكان منهم العديد من الأطفال بل أن تلك الحادثة قد أججت لهب الحرب العالمية الأولى , وجذبت أطراف جديدة للمعركة , وكانت تلك السفينة هي "آر إم إس لوسيتانيا" وقد غرقت يوم الجمعة "7 مايو 1915"م , وكانت مثل تيتانيك دولتها المملكة المتحدة – تيتانيك انجليزية ولوسيتانيا ايرلندية – وكانت ملكاً لشركة "كونارد لاين " التي يبدو أن لعنة تيتانيك قد أصابتها , بل أن شركة "وايت ستار لاين قد صنعت "تيتانيك " لتنافس شركة "كونارد لاين في أفضل سفنها " آر إم إس لوسيتانيا " و "آر إم إس موريتانيا" ولم يقف بجانب شركة " وايت ستار لاين " في انقاذ الفارين من "تيتانيك " غير شركة " كونارد لاين " .

 

السفينة لوسيتانيا 


 صورة تخيلية لغرق لوسيتانيا 



   و يبدو أن "لوسيتانيا "  كانت بيدقاً في حرب المملكة المتحدة ضد ألمانيا , فمنذ البداية دفعت الحكومة البريطانية تكاليف بناء وتشغيل السفينة لمالكتها شركة "كونارد لاين "لجعلها سفينة سفينة تجارية حربية إذا دعت الحاجة حيث بدأ تشغيلها عام 1906م , لذلك كانت هدفاً للغواصة الألمانية يو- بوت يو- 20 التي دافعت عن بلادها ضد الحصار البحري الذي نفذته المملكة المتحدة , ولم تكن  "آر إم إس لوسيتانيا " الهدف الوحيد للغواصات الألمانية , ولكنها كانت الغنيمة الأكبر , وعلى الرغم من أنها لم تكن مجهزة لدخول المعارك إلا أنها كانت تحمل أكثر من أربعة مليون طلقة ذخيرة للأسلحة الصغيرة  , و حوالي خمسة مليون طن من قذائف شظايا و الكثير من الفتائل النحاسية المفرقعة ونزد عليهم 1266 راكب و696 من أفراد الطاقم بالإضافة لطاقم سفينة "إس إس كاميرونيا " التي تم الاستيلاء عليها بوقت قصير قبل موعد الانطلاق,  كل ذلك استهدف من الغواصة الألمانية وغرق في 18 دقيقة , على بعد 11 ميلا أمام "أولد هيد أوف كنسل " بأيرلندا , ونتج عن ذلك مقتل 1198 شخص ونجاة 761 شخص , وقد أنكرت المملكة المتحدة حمولة السفينة من الأسلحة , كما بررت ألمانيا مشروعية استهداف السفينة بإعتبارها سفينة حربية – كان لألمانيا أربع جواسيس على متن السفينة من بينهم بريطاني عميل للألمان للتأكد من حمولة السفينة – وذلك في رحلة الذهاب وقد تم القبض عليهم بداخل السفينة ثم نزلوا من منها , الطريف أن السفارة الألمانية نشرت إعلانات تحذير للركاب في 50 صيحفة أمريكية ومنها بالطبع صحف نيويورك من السفر على "لوسيتانيا " لأنه يعرضون أنفسهم لخطر الغواصات الألمانية التي تستهدف سفن الحلفاء التي تقترب من البحار المحيطة للمملكة المتحدة . وبرغم أن الجدل مستمر حتى يومنا هذه في ملابسات ماحدث , ولايزال حتى الآن ينتشل من السفينة الذخيرة البريطانية ,  إلا أن المملكة المتحدة نجحت في استثماره وقلب الرأي العام في العديد من الدول , بل أن الولايات المتحدة دخلت الحرب بجانبها , لإيقاف الوحش الألماني الذي لايفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية .

التحذير الرسمي الصادر عن السفارة الألمانية بشأن السفر على لوسيتينيا.


  جدير بالذكر أن الشركة المنكوبة "كونارد لاين " قد عوضت خسارتها واستطاعت أن تعود كما كانت فهي صاحبة تاريخ عريق فهي لها أول رحلات عبور منتظمة للمحيط الاطلنطي بسفينتها  "أر إم إس بريطانيا" عام " 1840" م , وكان لها أول سفينة ركاب بها اضاءة إلكترونية إلكترونية "اس اس سارفيا" عام  "1881"م  , وأول مركز صحي وجمنازيوم على متن سفينة "أر إم إس فرنكونيا "1911" م , وفي عام 1907م كانت صاحبةأكبر سفينة ركاب حتى 1911م , ثم استعادت ذلك في عام  1940م بسفينة "أر إم إس كوين اليزابيث " أكبر سفينة ركاب حتى "1969" م , وفي عام 2004 م كان صاحبة أكبر  سفينة  ركاب "أر إم إس كوين ماري 2 " حتى عام 2006م ولاتزال تلك السفينة من أشهر السفن السياحية في العالم .


إم إس كوين ماري 2

   وعودة إلى "تيتانيك " تحديداً ليلة غرقها في في الساعة 11:40 مساءً (بتوقيت السفينة) ، اكتشف المراقب "فريدريك فليت" جبلًا جليديًا على الفور فنبه المسئولين . وأمر الضابط الأول ويليام مردوخ بتوجيه السفينة حول الجبل الجليدي وعكس المحركات ،  ولكن بعد فوات الأوان , فغرق " ميردوخ " واستطاع "فليت " من أن يستقل قارباً ومعه عدد من الركاب , وقد مر "فليت " بتحقيقات طويلة من الجانبين البريطاني والاميركي كغيره ممن نجوا من طاقم "تيتانيك " , وقد انتقل للعمل بتوأم "تيتانيك " " أوليمبيك " حتى أغسطس 1912م . وقد تركها لأنه لم يلق معاملة جيدة من شركة "وايت ستار " هو وكل من نجوا من طاقم "تيتانيك " , وانتقل بين الشركات التجارية , حتى ترك البحر قبل الحرب العالمية الثانية وعمل بحوض السفن بساوثهامبتون مع شقيق زوجته , وخدم في الحرب العالمية الثانية , تم تأزم مادياً وعمل بائعا للجرائد ,  واستطاعت أن تحفر حادثة "تيتانيك " جرحاً في نفس فليت , حتى وإن عاش بعدها بسنوات طوال وحضر أحداثاً كثيرة وانتهت حياته بالانتحار شنقاً , في حديقة صهره حيث طرده من المنزل , بعد وفاة زوجته بأيام , وكان يبلغ من العمر 77 عاماً وذلك عام 1964م , ودفن بقبر بسيط بدون علامات , حتى تم إقامة نصب للقبر عليه نقش "تيتانيك " على  نفقة جمعية تيتانيك التاريخية عام "1993"م .

فردريك فليت وقبره 

وهناك أسئلة وتكهنات حول السفينة  "تيتانيك " لم تجد تفسيرا حتى الآن , منها أن "تيتانيك " خرجت في رحلتها في وقت كان فيه إضراباً وكانت كميات الفحم قليلة فما كان من شركة "وايت ستار " إلا أن تلغي رحلتي السفينتين " أوشانك " و أدرياتك " وتحويل الفحم إلى "تيتانيك " ومعهم ركاب السفينتين , وبرغم هذه الظروف الصعبة التي كانت تمر بها شركات السفن بشكل عام ألا أن السفينة "كاليفورنيا" قد حصلت على حصتها كاملة من الفحم ثم أبحرت بدون أي ركاب ,  ومنطقياً أن هذه خسارة كبيرة , بل كانت حمولتها البطانيات والملابس الدافئة , وكأن "كاليفورنيان " تستعد لاستقبال ناجين من البحر .

 وأن "أليكساندر كارلايل" ، المخطط الأول لحوض هارلاند آند وولف لبناء السفن والمدير العام له و المسؤول عن البنية الفوقية للسفن الثلاثة، ترك المشروع في عام "1910" م ,  قبل إطلاق السفن.

    وأن هناك شخصيات بارزة ألغت رحلتها على متن " تيتانيك " بدون أسباب معروفة وفي آخر لحظة و منهم "جون بيربونت مورجان " ممول تيتانيك ورجل الأعمال الأميركي ,  متعللاً بسوء حالته الصحية , وايضاً هنري كلاي رجل الصناعة الأميركي , و ثيودور دريزر الكاتب الاميركي , وكذلك" ميلتون إس هيرشي "(المؤسس لشركة هيرشي للشوكلاتة المشهورة متعللاً أن زوجته كانت مريضة في ذلك الوقت. كما اعتذر عن الرحلة لورد "ويليام بيري"  رئيس شركة هارلاند آند ولف لبناء السفن في بلفاست والذي قام ببناء وتصميم السفينة تيتانيك لكنه تخلف عن الرحلة لظروف مرضية مفاجئة وحلّ محله في الرحلة المدير الإداري لشركة " "وايت ستار لاين " و المدير التنفيذي للشركة "توماس أندروز " لمراقبة أي مشاكل وتقييم الأداء العام للسفينة الجديدة.

 

 

              ميلتون إس هيرشي

 

             ثيودور دريزر

 

  ويليام بيري 

 

               توماس أندروز 

 

    وبعد وفاة " أندروز " في "تيتانيك " وكان يبلغ من العمر 39 عاماً ,  وقد وصفه الجميع بالبطولة حيث كان ينقذ الركاب بكل ما أوتي من قوة , وكان يرمي بالكراسي في الماء حتى يستطيع الركاب في التعلق بها , وقد فضل انقاذ الركاب على نفسه , الغريب أن كثيرين من الصفوة ممن ألغوا رحلتهم في آخر لحظة لأسباب مرضية قد نفذوا خططهم في الاستمتاع مع أسرهم برحلات ترفيهية بعد ابحار تيتانيك , والمفروض أن يكون المرض قد جعلهم ملازمين الفراش .

   ونجد أن توأم "تيتانيك " السفينة "أوليمبيك " بعد أن خرجت من الخدمة وتم تفكيكها عام " 1935"م , ذكر العمال أنه كان هناك رقم "401" على الاطار وفي الحقيقة أنه رقم "تيتانيك " ورقم "أوليمبيك " هو "400" .

والمدقق لصور "تيتانيك " اثناء الصناعة يجد أنه في المكان المكتوب عليه "تيتانيك " موجود "14" فتحة على السطح , واثناء ابحارها نجد أن اسمها موجود والسفينة تمتلك "16" فتحة على السطح .


                                   الفرق بين نوافذ تيتانيك و أوليمبيك 
              

والصور المأخوذة من الحطام نجد عدة أحرف "تيتانيك " قد سقطت , وظهرت أحرف "P, M" ويظن أنها من كلمة "Olympic"

                                           النوافذ في حطام تيتانيك تتطابق مع أوليمبيك 

وكل الأمور السابق جعلت نظرية تظهر للوجود ربطت بين "تيتانيك" وتوأمها " أوليمبيك " حيث عندما حدث اصطدام "أوليمبيك " مع السفينة الحربية "هوك" في سبتمبر "1911"م , اضطرت شركة "وايت ستار لاين " لإجراء تصليحات عليها , مما سيكلفها كثيرا في وقت تستعد فيه لإطلاق أكبر سفينة ركاب في العالم "تيتانيك " , فتم تأجل الاطلاق من مارس إلى أبريل , ولكن تكاليف اصلاح "أوليمبيك " كانت كبيرة , فأرادوا إخراج "أوليمبيك" من الخدمة  , ولكنهم لن يستطيعوا الحصول على تعويض من شركة التأمين , فقررت ابدال السفينتين , ثم اغراق "أوليمبيك " وابقاء "تيتانيك " , وأبدلت اللوحات على السفينتين , وغطوا أرضية "أوليمبيك " بالسجاد السميك لإخفاء آثار أقدام آلاف المسافرين , وجعلها كأنها جديدة . وبعد سنوات عديدة ذكر العاملون بالشركة أن الشركة هددتهم بالاستغناء عن خدماتهم إذا ذكروا ماحدث .

كما أن "تيتانيك " جمعت النقيضين , فهي السفينة التي لاتقهر ولاتغرق , عدد ركابها 2201 وعدد قوارب النجاة تكفي فقط لنقل 1100 راكباً .

     وإذا كانت سيناريوهات الغرق موضوعة مسبقاً فمن وضعها ؟

    هناك آراء تتجه إلى رواية ألفها الكاتب الأميركي" مورغان روبرتسون " عام "1898" م اسمها "العبث " , رواية خيالية تدور الرواية حول ضابط في البحرية الأميركية جون رولاند والذي تم فصله من الخدمة العسكرية بعد إدمانه على الكحول ، فيعمل كمساعد على السفينة "تيتان"، وهي عابرة محيطات منتظمة تصطدم في ليلة من ليالي أبريل بجبل جليدي ، فتغرق نتيجة لذلك  ينجو رولاند وينجح في إنقاذ فتاة صغيرة تتّهمه والدتها لاحقاً بخطفها فيتم القبض عليه. لكن القاضي يتعاطف معه ويوبّخ الوالدة لتآمرها على منقذ إبنتها. وبعدها يضطر للعمل كصياد ثم ينتقل  لوظيفة مكتبية، ثم بعد عامين من اجتيازه امتحان الخدمة المدنية ينتقل إلى منصب حكومي مريح، قبل أن يتلقّى في الختام رسالة من الأمّ تهنئه فيها وتناشده زيارتها وابنتها. قد تبدو رواية عادية من روايات "روبرتسون " الذي اهتم بعالم البحار حيث كان والده قبطاناً وعمل معه في البحر .

مورغان روبرتسون
                     

   إلا أن رواية "العبث " تتناول عابرة محيطات ضخمة تشبه في فخامتها "تيتانيك " وحتى اسمها " تيتان " وركابها من صفوة أغنياء العالم , وقد اصطدمت بجبل جليدي في ليلة من ليالي أبريل , على بعد 400كم من جزيرة "نيوفاوندلاند " وغرق كثير من ركابها بسبب قلة قوارب النجاة , وبعد غرق "تيتانيك " صدرت طبعة جديدة من الرواية تحمل اسم "حطام السفينة تيتان" وجعلت حمولة الحجم والسرعة والسعة تتطابق مع "تيتانيك" وطبعاً ضمن هذا زيادة في المبيعات , وقد توفي هذا الكاتب عام " 1915" م , في حجرة بفندق بنيوجيرسي , وكان يبلغ من العمر 53 عاماً , إثر تناول جرعة زائدة من دواء الصرع الذي كان يعاني منه , فهناك من رأى أنه انتحر لاضطلاعه في جريمة غرق "تيتانيك " , ومنهم من رأى أنه قتل حتى لايفضح أصحاب المخطط .

                                 غلاف رواية حطام التيتان     

    ولكن هل من الممكن أن تزهق كل تلك الأرواح من أجل الحصول على مبلغ التعويض من شركة التأمين  و أن تجعل لورد "ويليام بيري"  رئيس شركة هارلاند آند ولف لبناء السفن في بلفاست والذي قام ببناء وتصميم السفينة تيتانيك يزج للموت  المدير الإداري لشركة " "وايت ستار لاين " و المدير التنفيذي للشركة "توماس أندروز " . ليس هذا فقط فهناك رأي آخر يوضح أن المؤامرة كان ممول الرحلة "جون بيربونت مورجان" الملقب بنابليون وول ستريت طرفاً في المؤامرة فنجد أنه غرق في تيتانيك أغني أغنياء العالم وعلى رأسهم الكولونيل "جون جاكوب آستور" و ايضاً "ازيدور ستروس " وزوجته وكان يملك أكبر مجمع تجاري في العالم (ميكيز) , وبنيامين غوغنهايم , وهؤلاء الأمريكيين الثلاثة كانوا معارضين لإنشاء بنك أمريكي مركزي "البنك الاحتياطي الفيدرالي" , بينما كان "مورجان " من المشجعين لذلك البنك , فنجد أنه وبكل بساطة ينسحب في آخر لحظة متعللا بسوء حالته الصحية ويذهب لمنتجع "إيكس ليه باين" الفرنسي , غير عابئاً بالرحلة التي تحدث عنها العالم قبل وبعد ابحارها , بل أنه يتعافى من صدمة غرق أكبر سفينة ورحلة بحرية في العالم ليشارك في انشاء البنك الاحتياطي الفيدرالي عام "1913" م , والذي كان له صدى كبير في رسم الخريطة الاقتصادية للعالم في القرن العشرين .  وسواء كان ذلك صحيحاً أم مجرد مبالغة في الشك , فلربما يؤكد على هذا أو ينفيه مايستجد ما يعثر عليه من وثائق حفظت لدى الشركة أو أخفاها أحدهم أوحتى بقايا منتشلة من السفينة الغارقة , أو ربما يطويها الماضي إلى الأبد . 

 

بنيامين جاجنهايم 

ايزادور استروس 
 

 

             جون جاكوب آستور

 

              جون بيربونت مورجان