التاريخ دراسة مسلية "برتراند راسل "


الجمعة، 20 نوفمبر 2020

الملك امنحتب الثالث صاحب طريق الكباش


                                الملك أمنحتب الثالث 

    كثير منا تأمل في تمثال الملكة "نفرتيتي" الشاهد على براعة الفنان المصري الذي وصل حد كبير من الإتقان , والتي  كانت زوجة للملك "أمنحتب الرابع" الذي غير اسمه إلى "اخناتون" وقاد ثورة دينية وفكرية ووحد الآلهة في إله واحد هو آتون أو قرص الشمس ونقل العاصمة من واست " طيبة " إلى "اخيتاتون " في تل العمارنة بمحافظة المنيا الحالية,ذلك المناخ الجديد لم يأت من الفراغ فقد اعتلى أمنحتب الرابع عرش مصر ووجدها تنعم بالرخاء الاقتصادي والفكري والاستقرار السياسي وكان ذلك نتاجاً لماتركه سلفه و أبوه " أمنحتب الثالث" , مماجعله يتفرغ لدينه الجديد ويقود ثورته الفكرية .

   وإذا تناولنا سيرة أبيه الملك "أمنحتب الثالث "تاسع ملوك الأسرة "18" في الدولة الحديثة من تاريخ مصر القديم  , سنجده قد تميز بأشياء عديدة, منها : فترة حكمه التي تجاوزت خمس وثلاثين عاماً , والتي ساعدته على الاستقرار و الرخاء الإقتصادي والذي جعله يهتم بالعمارة والفنون وظهر ذلك جلياً في معبد "الأقصر" الذي بناه لعبادة الثالوث " آمون" وزوجته" مونت " و ابنهما "خنسو" إله القمر,  ويعد ثان معابد طيبة الكبرى , ربطه أمنحتب الثالث بمعبد الكرنك بطريق نطلق علىه اليوم بطريق " الكباش "  زين على جانبيه بتماثيل على شكل أبي الهول بلغ عددها 500 تمثال على الجانبين , لها أجسام الأسود ورؤوس الكباش حيث يرمز الأسد للقوة والشجاعة و الكبش رمز آمون حيث قوة الخصب والإنتاج . وسجل في ذلك المعبد نص الولادة الألهية لنفسه كما فعلت الملكة حتشبسوت حيث اعتبر نفسه وريثاً إلهياً لعرش مصر من أبيه آمون , وكان له 600 تمثال للإلهة سخمت – ابنة رع وربة الحرب لها جسد امرأة و رأس لبؤة – في معبد" موت " بالكرنك , وبنى في طيبة الغربية قصراً ومعبداً جنائزياً هدمه الملك " مرنبتاح " عند تشييده لمعبده ولم يبق منه سوى تمثالان على جانبي الصرح والمعروفين باسم تمثالا"ممنون". وعمت انجازات أمنحتب في العمارة الدينية مصر , حيث بدأ انشاء جبانة العجول "السيرابيوم" بسقارة , وأقام تماثيل القرد للإله تحوت في الأشمونين , كما كانت له مبان أخرى في أبيدوس والكاب و أتريب وتل بسطه , وتميزت كل انجازات أمنحتب المعمارية والفنية بتحررها من الأشكال التقليدية الصارمة , والتي ظهرت بوضوح في فكروفن آثارخلفه أمنحتب الرابع من رقة المشاعر.وقد اهتم أمنحتب الثالث بعبادة الشمس حيث كان له آثار بهليوبوليس "عين شمس " فكانت اشارة لزيادة الإهتمام بآتون أو قرص الشمس . وكانت له آثار في النوبة حيث بنى معبداً في اليفانتين , وآخر في وادي السبوع لآمون , ومعبداً في "عينبه" لعبادة "حورس" الجنوبي , وكذلك معبداً في صولب لعبادته هو وزوجته  الملكة "تي" والمعبود "آمون" .

 

طريق الكباش 



   

 

معبد الأقصر


مقبرة العجول بسقارة 

تمثال القرد بالأشمونين  

 

  أما سياسته الخارجية فقد امتد تأثيرها لما بعد وفاته , وربما كانت تلك السياسة قد كتبت في سجل قدره , فكانت البداية قبل ميلاده حيث كان والده الملك تحتمس الرابع غير مهتم بإرسال الحملات لآسيا نظراً لحالة  الاستسلام والسكون التي أظهرها جيران مصر الآسيويين , وإن كان هذا ظاهرياً فقط وبمرور الوقت سيثبت عكس هذا . على كل حال فقد أراد الملك تحتمس الرابع في توطيد العلاقة مع حاكم "ميتاني "الملك "أرتاتاما" –في شمال سوريا - واتحاده معه لدعم قوته ضد الحيثين في شمال وسط الأناضول , فتوطد هذا الاتحاد بالزواج السياسي بين تحتمس الرابع وابنة حاكم "ميتاني" الأميرة "موت إم ويا" , وكسربذلك الملك تحتمس الرابع القاعدة الشرعية التي كان ينتهجها ملوك مصر القديمة بالحرص على الاقتران بالزوجة الملكية للتأكيد على شرعية الحكم , فكان هذا اتجاهاً معاكساً لتوطيد الحكم وقد نتج عن تلك الزيجة ابنا صار فيما بعد , الملك " أمنحتب الثالث" فكان ذلك الملك يجري في عروقه دماء غير مصرية ومما لاشك فيه ذلك كان مؤثراً على سياسته الخارجية .

  وقد تزوج أمنحتب الثالث من أميرة مصرية تدعى سات آمون , كانت ابنة تحوتمس الرابع من أميرة مصرية , ولم يقم أمنحتب بحملات تأديبية لآسيا, حيث كان حكام آسيا يثبتون الولاء لمصر بإرسال الجزي والهدايا . ومثلما لجأ والده "تحتمس الرابع" للزواج السياسي لتوطيد علاقاته الخارجية فعل ابنه ايضاً بل توسع في ذلك , فقد قامت مملكة الحيثيين -الذي كان اشتباكها  وشيكاً مع مصر- بقتل ملك ميتاني حليف مصر بيد حليفها "عبدي شرتا"حاكم أمورو,  بل وقام باعلان نفسه وصياً على العرش , ولكن فشل كل ذلك وقام الملك الجديد لميتاني "توشراتا " بتزويج ابنته "تادوخيبا" لملك مصر لتوطيد علاقته به .

   وفي تلك الأثناء كانت بابل حليفة مصر, لها مطامع في آشور التابعة لميتان حليفة مصر , فكان نتاج ذلك الجو المتوتر المتشابك المعقد أن حرص الملك "كاريجالزو" ثالث ملوك الأسرة الكاشية على زواج ابنته بالملك "أمنحتب الثالث" لينال الحماية المصرية مثله مثل ملك ميتاني وملك أرزاوا . وكذلك ليحصل على عطايا مصر من الذهب والفضة والنحاس و اللازورد التي كانت تجلبها من آسيا وتهديها لحلفائها , وتلك الموارد كانت هامة في المشروعات العمرانية وخاصة الدينية . ومافعله "كاريجالزو" كرره ولده وخليفته "كادشمان-إنليل الأول " .فقد صاهر أمنحتب الثالث وزوجه ابنته ووثقت وسجلت رسائل العمارنة كافة تفاصيل الزيجة من تكاليف وتبعات وفق التقاليد العراقية القديمة .

   وقد أرسل ملك مصر مبعوثاً مصرياً لمصاحبة ابنة "كادشمان أنليل" لمصر , فتجرأ الملك "كادشمان أنليل " أن يطلب من "أمنحتب الثالث" أن يرسل له أميرة مصرية ليتزوجها فكان الرد عليه:" أنه منذ أمد بعيد لم تقترن ابنة ملك مصري من شخص أجنبي ".فعاود طلبه بأنه يريد أي مصرية ليتزوجها مدعياً أمام شعبه أنها أميرة مصرية , وذكر ملك مصر أنه وافق على طلبه لابنته , فرفض أمنحتب الثالث رفضاً قاطعاً لمخالفة ذلك الأعراف المصرية , ممايوضح النظرة الفوقية التي كان ينظرها ملك مصر لملوك بابل , وكان لإتمام تلك الزيجة الشرط الصريح بإرسال مصر للذهب , فكان الرد المصري بما اثبتته الوثائق أن العروس قد ارسل لها خمس عربات محملة بالأثاث الفاخر المطعم بالعاج والمصفح برقائق الذهب , وهذا لم يرق للملك "كادشمان أنليل " , مثلما لم يرق من قبل "توشراتا" حاكم "ميتاني" , حيث كانت مصرترى أنها أقوى من تلك البلاد ولا يجب أن ترضخ لطلباتهم حتى أن مبعوثي تلك البلاد كانت مقابلة الملك لهم تتميز بالفتور والتعالي .

   على أن الملك المصري لم يهنأ بتلك الزيجة فقد ماتت العروس البابلية بالطاعون , ومثلما فعل "كادشمان أنليل " تكرر نفس الشيء مع ابنه "بورنابوش الثاني " الذي صاهر ملك مصر , حرصا منه على التحالف المصري البابلي أو حتى التنازل ليصل إلى حد التبعية لما كان يواجه بابل من مخاطر من تنامي قوة آشور وتهديد قبائل السوتو لحدودها وطرقها التجارية . وكان نتيجة لتلك الزيجات السياسية من حكام آسيا , أن اطمئن الملك "امنمحات الثالث " لحدوده الآسيوية التي كان يصونها أصهاره ومن يدينون له بالولاء , ولم تعد هناك حاجة للحملات العسكرية .

  أما سياسة الملك الخارجية مع النوبة فقد قام في العام الخامس من حكمه بتجنيد فرقة نوبية لتأديب القبائل النوبية في أقصى الجنوب على الحدود المصرية السودانية , و بالنسبة للحدود الغربية فقد سجلت آثار الأقصر ذكر قبائل "المشوش" إحدى الجماعات الليبية , كما أن لوح أنشودة النصر في النوبة ذكرت أنه كان يسيطر على قبائل "التحنو" الليبيين المعروفين بالأقواس التسعة .

  

 

تويا حماة الملك 

 

مومياء يويا

 

مومياء يويا وتويا

 

قناعي يويا وتويا والدا الملكة تي 

الملكة تي 

 

 

الملكة تي متقدمة في السن 

 

                         تمثال نفرتيتي        

 

               تمثال اخناتون            

ومثلما تزوج "أمنحتب الثالث" من الأميرة المصرية و الأميرات الأجنبيات , كن بالنسبة له صفقات سياسية وساكنات بجناح الحريم إلا زيجة واحدة له تميزت بكونها أخذت منحى جديداً في التقاليد الأسرية الملكية بمصر القديمة , وكانت تلك الزيجة في العام الثاني من حكمه , من فتاة مصرية تدعى "تي" ابنة أحد نبلاء أخميم ومن كبار ضباط الجيش ويدعى "يويا" وزوجته  "تويا"والتي كانت من عائلة على علاقة وثيقة بالقصر الملكي . وقد أنجبت لأمنحتب الثالث ستةابناء , ذكرين أكبرهما مات في حياة أبيه والثاني صار الملك "اخناتون" , و أربع إناث حملت اثنتين منهن لقب ملكة . وكانت الملكة "تي" من قوة الشخصية وحب الملك لها , أن تركها تدير شئون مصر الداخلية والخارجية حتى أن المراسلات الخارجية الآتية من آسيا كانت تأتي أحياناً باسمها , ولقبت بلقب "الزوجة الملكية العظمى " , وشاركت الملك في الأعياد الشعائرية الكبرى مثل عيد سد – لم يحتفل به كثير من الملوك لأنه بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على العرش – كما صورت على شكل أبي الهول , وخصص لها الملك معبداً في سرنقة الواقعة بين الجندلين الثاني والثالث , وحفر لها بحيرة في الجزء المنخفض من بركة تقع جنوب معبد مدينة هابو و ألحقها بقصر في شرقه . وقد عاشت الملكة "تي" للعام الثامن من حكم ابنها "اخناتون " بنفس الشخصية القوية المؤثرة في شئون الدولة فكانت الخلافات على أشدها بينها وبين زوجة ابنها الملكة "نفرتيتي" , حيث تعودت الملكة الأم أن تكون السيدة الأولى , ولم تتقبل أن تكون لمصر ملكة غيرها .

السبت، 14 نوفمبر 2020

القادم ومعه نبتة

 


                                            محمد علي باشا 

  يتجول  البشر في جميع أنحاء العالم حاملين معهم البضائع والأفكار وأشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى – قد تكون منها الأمراض المعدية – يؤثرون ويتأثرون , وقد يأتي البعض منهم بنباتات من البلاد البعيدة , والتي قد تؤثر على شكل الحياة الزراعية في المكان المستوطن الجديد , منها ماحدث في مصر بلد الزراعة الخصيب , أدخل لها الوالي محمد علي باشا- حكم "1805- 1849"م - , العديد من المحاصيل الزراعية التي غيرت من شكل المواسم الزراعية ومن حياة الفلاح والتاجر بل ومن حياة المواطن المصري اقتصادياً و اجتماعياً , ونذكر منها الفاكهة المصرية الشهيرة المسماة  باليوسفي أو الأفندي أو اليوسف أفندي وهو من الحمضيات المسماة "مندرين" ، وهو اسم  مقاطعة صينية. وأطلق أيضاً الاسم على كبار الموظفين الصينيين لأنهم كانوا يلبسون قبعات عليها زر كبير يشبه المندرين. وكانت ملابسهم أيضاً بلون المندرين.

ومن المعروف أن محمد علي باشا كان مهتماً بإرسال التعليمية للخارج للعودة بالعلوم المختلفة للاستفادة منها في بناء دولته الحديثة , فقد كان من ضمن الطلاب من الذين أرسلهم لفرنسا ويدعى يوسف أفندي الأورفلي , وهو في طريق العودة , أن واجهت سفينته ريح شديدة فاضطرت أن ترسو سفينته في مالطا , وتصادف في تلك المدة أنه رست سفن حاملة أشجارا مثمرة من شرق آسيا تدعى المندرين ، فاشترى منها يوسف أفندي ثمانية براميل بها شجر مثمر من المندرين ,  وعندما وصل مصر و قابل  محمد علي باشا التمس يوسف أن يحمل معه بعضًا من هذه الفاكهة ، وعندما تناولها محمد علي باشا أعجبته وسأل عن اسم الفاكهة- وكان يوسف سأل قبل ذلك بعض الحاشية عمن يحبه محمد علي من أولاده أكثر من غيره، فأخبره أنه يحب طوسون باشا الذي توفي وكان الوالي في حزن شديد عليه -  فقال يوسف له: إن اسمها هو "طوسون"، فتبسم محمد علي وفطن لذكاء يوسف أفندي ، سأله عن اسمه ,  فأجاب : يوسف. فأمر محمد علي بتسميتها "يوسف أفندي",  وأمر بزراعتها في حديقة قصر شبرا، فعرفت منذ ذلك الحين باليوسف أفندي وكانت فاتحة خير على يوسف الأورفلي الذي عهد محمد علي له بالتجارب و الخطط الزراعية في مصر وقتها فأصبح من أصحاب النفوذ والسلطة .

 

الزعيم أحمد عرابي 

وإذا كان يوسف أفندي قد أرسله محمد علي لدراسة الزراعة فجاء بأشجار اليوسفي وبدأ زراعتها في مصر , فإن الزعيم والقائد أحمد عرابي (1841 - 1911) م , قد عاد من منفاه بسيلان أو سري لانكا ببذور و أشجار المانجو الهندي لزراعتها , وكان له صديقاً يدعى أحمد باشا المنشاوي من كبار ملاك الأراضي في محافظة الغربية ، والذي بدأ بزراعة  المانجو  بقرية القرشية مركز السنطة بالغربية فتطورت لتصبح زراعة المانجو المصرية على ماعليه الآن والتي اشتهرت بجودتها وتصديرها لبلاد العالم .

سير والتر رالي يدخن التبغ 


   والمسافر شرقاً و غرباً قد يأتي بكل جديد والذي ربما قد يصبح بعد ذلك من الأساسيات للحياة اليومية لبعض البشر , ومنها ما آتي به سير " والتر رالي " 1552- 1618" الكاتب والشاعر والفارس والجاسوس والمستكشف الإنجليزي، و كان أحد المقربين للملكة اليزابيث ابنة الملك هنري الثامن والتي اشتهرت بقوتها و تطلعها لتبوأ بلدها مكانة مرموقة , فأتاحت للسير والتر الإماكانيات ليسافر للعالم الجديد بأمريكا لينافس الأسبان أصحاب المبادرة الأولى وليأت من العالم الجديد بالبطاطس و التبغ .    


                               فرانسيسكو دي ميلو بالهيتا يزرع شتلات البن 

   وإذا كانت هناك محاصيل جاءت إلينا من العالم الجديد لتصبح محاصيل اقتصادية لاغنى عنها , فهناك محاصيل زرعت في العالم الجديد لتصبح جزءاً هاماً من اقتصاده ومنها البن , ففي بدايات القرن الثامن عشر ,  كان هناك ضابط بحري يدعى "جابرييل دي ماتيو كليو" سافر لجزر "المارتينيك" شرق الكاريبي والخاضعة للتاج الفرنسي وزرع فيها شتلات البن المهربة من جاوة الآسيوية , فانتشرت في مزارع جزر الكاريبي الفرنسية بشكل واسع واعتمدت على العبيد الأفارقة , مما جعل ملك البرتغال يرغب في زراعة البن بأملاكه على أرض البرازيل بأي ثمن , فكلف " فرانسيسكو دي ميلو بالهيتا " بمهمة الحصول على شتلات البن , وذلك عام 1727م , ولما وجد "بالهيتا" صعوبة في الحصول على الشتلات بالطرق الشرعية , لجأ لحيلة بأن أوهم زوجة حاكم "غيانا الفرنسية"  بحبه , فقدمت له عند رحيله باقة من الزهور بها شتلات البن , ليحضرها للبرازيل وتزرع على نطاق واسع , لتصبح البرازيل أكبر منتج للبن على مستوى العالم .

 وإذا كنا ذكرنا رحلة البن للعالم الجديد , فلهذا النبات رحلة في العصر الحديث داخل العالم القديم , فأول ماعرف هذا النبات على صورته البرية كان في أثيوبيا , وقد ظهرت في اليمن على يد الصوفي الإمام محمد بن سعيد الذبحاني المعروف باستيراد البضائع من إثيوبيا إلى اليمن بمنتصف القرن الخامس عشر , حيث استخدمت الصوفية في اليمن القهوة  كمساعد على التركيز ونوع من الروحانية في حلقات الذكر . وقد تمت زراعة البن بشكل واسع في اليمن , بل وأصبح ميناء مخا باليمن مركز تجارة البن في العصر الحديث – منه جاءت تسمية موكا – ثم انتشرت لأنحاء الدولة العثمانية , ونقلها التجار الإيطاليين لأوروبا .

                                     ستوكس و أسرته الهندية 

    وإذا كان هناك من ينقل النبتة الجديدة لبلده ليزرعها , هناك أيضا من ينتقل من بلده حاملا معه زرعها لينبته في أرض غريبة يتعلم منها ويفيد أهله , وهذا ماحدث مع المغامر الأمريكي صامويل ايفانز ستوكس "1882 –1946" م ,  الذي كان والده رجل أعمال غني يعمل في المصاعد , سافر برغم معارضة أهله للهند عام "1904 "م  ويتطوع لمستعمرة الجذام , أحبه أهالي شيملا الهندية لحسن معاملته ومشاركته لهم العيش البسيط , ومع الوقت أعطاه أهله المال اللازم للتبرعات , ثم تزوج فتاة هندية عام "1912" م وانجب خمسة ابناء , فكانت تلك نقلة نوعية في حياته حيث ترك حياة الفقر والزهد واستفاد بأموال أهله ليكون رب أسرة ورجل يعتمد عليه من حوله في شتى النواحي , ففي عام "1916"م  اشترى أراض ليزرعها تفاحاً أمريكياً طوره الأخوان ستارك من لويزيانا بالولايات المتحدة حيث ناسبت تلك السلالة الجديدة مناخ ولاية هيماتشال براديش الهندية وازدهرت الزراعة بشكل كبير , ونقل بذلك التفاح الأمريكي للهند لأول مرة , وصاحب غناه المادي تقاربه مع الهنود واعتماده عليهم في الزراعة , بل واعتناقه الهندوسية واطلق على نفسه اسم " ساتيانادانا "  و واقناع زوجته الهندية المسيحية باعتناق الهندوسية , وقد اصبح عضوا في الكونجرس الوطني الهندي , وتعاون مع الهنود في مقاومتهم للاستعمار البريطاني ودخل السجن لذلك , ودافع عنه المهاتما غاندي , ثم عانى من المرض لأعوام حتى توفي عام 1946 م , قبل أن يرى استقلال الهند . وقد رحل الانجليز , وبقيت مزرعة ستوكس للتفاح عامرة بأجيال من عائلة ستوكس , وأصبحت ولاية هيماتشال براديش الواقعة في أقصى الشمال من أهم محاصيلها التفاح الذي غير في شكل الحياة الاقتصادية لتلك الولاية .

 

السبت، 7 نوفمبر 2020

المسجد الجامع

 

بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليثرب , بدأ في تأسيس مجتمع جديد انهي فيه الخصومة بين قبيلتي الأوس والخزرج , وآخى فيه بين المهاجرين والأنصار , ووضع الصحيفة التي تعتبر دستور المدينة نظم فيها كل الأمور الاقتصادية و الاجتماعية لساكني يثرب , ثم شرع الجهاد ليمنح الكيان السياسي لدولة المدينة , ومعظم تلك القرارات المصيرية كانت تتخذ من مكان كان يجتمع فيه المسلمون , ألا وهو المسجد .

   وكان رسول صلى الله عليه وسلم قد ابتاع مربداً – المربد : موقف الجمال ومحبسها – من صاحبيه غلامين يتيمين يدعيا  سهيل وسهل من بني مالك بن النجار وكانا في حماية أسعد بن زرارة ثم شرع في بناء المسجد , حيث كان جداراً مبطناً غير مسقوف , وحددت القبلة على بيت المقدس , و كان أسعد بن زرارة هو من بناه وكان يصلي فيه بأصحابه , ويجتمع بهم كل جمعة وذلك قبل مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم, وقد اختير هذا المكان ليكون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, عندما بركت فيه ناقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, فدعا رسول صلى الله عليه وسلم الغلامين ليبتاع منهما المربد , فرفضا و أرادا وهبه لرسول صلى الله عليه وسلم, فأبى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وابتاعه منهما بعشرة دنانير , فعدل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون مهيئا لجمع المسلمين للصلاة وللمشاورة معهم في دينهم ودنياهم , فأمر بقطع نخيله وغرقده – الغرقد هو شجر من الفصيلة الباذنجانية ذو ثمار تؤكل وفروع شائكة – و كان في ذلك المربد قبور منذ لأيام الجاهلية , فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بنبشها , و غيبت العظام ,  و كان فى المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب -المستنجل ممشى ماء المطر-وسويت الخرب , وحفر أساس المسجد على ثلاثة أذرع , ورفعت جدرانه بالطوب اللبن – الطوب الذي لم يحرق بالنار - , واختلف الباحثون و المستشرقون في مساحته , إلا أن الباحث الأثري الأستاذ الدكتور أحمد فكري , بعد دراسات دقيقة للروايات رأى أن المسجد عرضه 63  ذراعاً , و70 ذراعاً في الطول . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينقل حجارته بنفسه ويعاونه أصحابه على ذلك .

فكان يقول أثناء العمل : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة .

وفي البداية كان المسجد عبارة عن ساحة فسيحة , فشكا المسلمون من تعرضهم لحرارة الشمس فيها , فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم ظلة , استخدم فيها جذوع النخل كأعمدة للقبلة المسقوفة , وأصبح للظلة ست , فكانت الأعمدة ثلاثة إلى يمين المنبر , وثلاثة إلى يساره , ثم طرحت على أعمدة النخيل , عوارض النخل والعروش والجريد , وبنى بجوار المسجد بيوتاً بالطوب اللبن , أسقفها من النخل والجريد , وأقام للسيدة عائشة بيتاً يفتح يؤدي بابه إلى  المسجد , وكان المسجد له ثلاثة أبواب : باب في مؤخره , و باب الرحمة أو باب عاتكة , وباب كان يدخل منه الرسول صلى الله عليه وسلم أمام باب عائشة , وكانت قبلة المسجد ناحية بيت المقدس , بعد أن كان يترك للمسلمين حرية اختيار قبلتهم , لأن " لله المشرق والمغرب , فأينما تولوا فثم وجه الله أن الله واسع عليم " سورة البقرة آية 115 . وكان بيوت أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم لها أبواب نافذة إليه , وكانوا تسع بيوت مبية باللبن , لها حجرات من جريد مطرور بالطين , أسقفها منخفضة , مقسمة شرق المسجد وشماله , أضيفت كلها للمسجد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم, نزلت الآية الكريمة " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها , فول وجهك شطر المسجد الحرام " سورة البقرة , آية 144 . وذلك في العام الثاني من الهجرة , فعدلت القبلة من الشمال للجنوب وبالتالي أقيمت ظلة جديدة في الجانب القبلي للمسجد , فأصبح له ظلتان , وسمي بذي القبلتين . واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الظلة القديمة بيتاً لأهل الصفة وهم الفقراء من الصحابة لا منازل لهم ولا عشيرة , كانوا ينامون في المسجد , ويظلون فيه , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بعضهم للعشاء معه ,  ويوزع الآخرين على الصحابة . وكان مابين الظلتين رحبة واسعة , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب مستنداً إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي , ثم صنع مولى العباس بن عبد المطلب ويدعى "كلاباً "منبراً من درجتين ومقعد , وضع موضع القبلة . ولم يكن هناك مئذنة للمسجد , حيث كان المسلمون يذهبون للصلاة بلا نداء , وطلب بعضهم أن ينادي في المسلمين ببوقاً مثل اليهود , ونادى البعض أن ينادى في المسلمين بالجرس مثل النصارى , واستقر الأمر على أن ينادى بلال بن رباح المسلمون بالصلاة , فكان يذهب إلى دار حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج الرسول ويرتقي أعتاب فيها ويؤذن عليها " .

   وبعد بناء المسجد بسبع سنوات ضاق المسجد بالمصلين , فاشترى الرسول صلى الله عليه وسلم أرضا من الأنصار زادت من مساحة المسجد الشرقية والغربية والشمالية , فجدد سقف المسجد . وفي خلافة أبي بكر رضي الله عنه , جددت جذوع النخيل لتآكل القديمة , وزاد عليها الجريد , ثم تخربت في عهد عثمان بن عفان فبناها بالآجر – الطين الموضوع في قوالب والمجفف في الشمس - .

    وإذا كان أبا بكر الصديق لم يزد في المسجد شيئاً , فإن في سنة 17 هجرية زاد فيه عمر بن الخطاب , وبناه على مثل بنائه الأول  باللبن والجريد وجعل عمده خشباً , وفي سنة 29 هجرية زاد عثمان بن عفان مساحة المسجد , بل بنى جداره بالحجارة المنقوشة والجص – الجبس - , وكانت أعمدته من الحجارة المنقوشة وسقفه بالساج – خشب من شجر الساج يقاوم التآكل والمياه - , ثم كان هناك بعض التغيير في عهد مروان بن الحكم رابع حكام الدولة الأموية  الذي أمر بوجود مقصورة من الحجر المنقوش , ثم زيد في المسجد في عهد  الوليد بن عبد الملك عام 88 هجرية , وأشرف على ذلك والي المدينة وقتها عمر بن عبد العزيز , فبعث الوليد بالمال والفسيفساء و الرخام , وثمانين صانعاً من الروم والقبط من أهل الشام ومصر . وظل الحال على ذلك حتى زاد فيه الخليفة العباسي المهدي عام 162هجرية , ثم رممه الخليفة المتوكل على الله سنة 247 هجرية . ثم توالى عليه سلاطين مصر المملوكية بالتجديد والترميم فقد أحدثت ترميمات وتجديدات عام 655 هجرية عللى عهد السلطان المنصور علي , وايضا في عهد السلطان الملك الناصر  محمد بن السلطان المنصور قلاوون عام 705 هجرية وايضا في عهد السلطان قايتباي , وكذلك سلاطين الدولة العثمانية ونذكر منهم تجديدات وتوسعات السلطان محمود الثاني وابنه السلطان عبد المجيد الاول . ليترك كل هؤلاء بصمة فنية ومعمارية تعكس ثقافاتهم وخلفياتهم الحضارية .

    و إذا تأملنا مسجد الرسول نجده يتميز بالبساطة عاكساً تعاليم الدين الاسلامي , فنظام النسب فيه يقوم على أساس انساني هو الوضع الأفقي في نظام يتسق ونظرية المساواة في المجتمع الاسلامي , بعيداً عن أي طبقية  وتقسيم فئوي . فكان هذا التخطيط الأساس لسائر العمائر الاسلامية المتأخرة كالمدارس و الخوانق والقصور و الوكالات و الفنادق . وقد أصبح المسجد أساساً للتنظيم العمراني للمدينة الاسلامية , حيث تلتف حوله بقية المراكز العمرانية , فقد كان هو النواة في دولة المدينة المنورة فكان مركزاً للصلاة ودار للندوة , وفيه كان يتشاور الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في كل شؤونهم وعلاقاتهم بمن يحيطونهم , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل وفود العرب فيه فكان  القادمون للمدينة يعقدون رواحلهم في فنائه ويقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم في السقيفة , وكان تعقد ألوية المسلمين للخروج سواء للاستطلاع أو الغزو . وفيه كان يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين دينهم , وهم بدورهم يعلمونه لوفود العرب , وظل للمسجد وظيفة المدرسة لوقت طويل , وكان يقيم فيه فقراء المسلمين من أهل الصفة , وفيه كان يجتمع الرسول وصحابته يتحادثون ويتناشدون الأشعار .

 

في صحيح البخاري عن  أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا"

وورد في صحيح مسلم , عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا، خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفيه الروضة المباركة ، حيث ورد في صحيح البخاري  , أن الرسول الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

   رزقكم الله وإيانا بشرف زيارته .

 

  


الجمعة، 30 أكتوبر 2020

زرياب . أستاذ الموسيقى وفن الحياة



  هو أبو الحسن علي بن نافع المعروف بزرياب . وزرياب كلمة فارسية تطلق على طائر أسود اللون حسن التغريد , وكان ذلك ينطبق على زرياب , أما كونه طائراً يهجر عشه الأثير , فيطير لأماكن أخرى ناقلاً معه أي شيء يقدرعلى حمله فذلك ماحدث له بالضبط . حيث كان مغنياً وموسيقياً بارعاً يعيش في بغداد ثم هاجر للغرب  , ولابد أن نتوقف ونوضح من هي بغداد في ذلك الوقت .

   بغداد هي أغني و أرقى عواصم العالم وقتها كانت عاصمة الخلافة العباسية التي قضت على الخلافة الأموية بشكل دموي , وتم تأسيسها عام 762م  . فسكنها مختلف الأجناس من الفرس و الروم والصينيون و الهنود , ونقلوا علومهم ومظاهر حضارتهم وثقافتهم وفنونهم , كما كانت بغداد مركزاً للترجمة لما تركه الفرس والهنود والسريان والاغريق والمصريون , وكذلك ازدهرت فيها صناعة الورق ونسخ الكتب وتجليدها لتوثق تلك المعارف قديمها وحديثها , وقد بنيت بها القصور و المباني الجميلة و الشوارع النظيفة وغيرها من مظاهر الحياة الراقية , والتي نشأ فيها زرياب , وكان تلميذاً للمغني العراقي الكبير اسحاق الموصلي , وقد حدث أن غنى زرياب أمام هارون الرشيد فأعجب الخليفة بفنه , فحقد عليه اسحاق الموصلي وعمل على اقصائه , فخيره بين الرحيل عن بغداد , والبقاء فيها عرضة لإيذائه , فاختار زرياب الرحيل غرباً , فلما وصل لافريقية اتصل بصاحبها زيادة الله بن الأغلب , لكنه لم يطب له المقام , فرحل للمغرب وكتب للأمير الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس , فرحب به و أرسل له المغني منصور اليهودي ليصحبه للأندلس , وهنا لنا وقفة أخرى لنتساءل لما اختار زرياب الأمير الأندلسي الحكم ليتواصل معه ؟

  فالحكم بن هشام كان شاعراً, يحب مجالس الغناء , و كان ينظم الشعر ويقترح على جواريه غناءه , وقد هاجر إليه اثنان من مغني المشرق هما علون وزرقون , وكان في بلاط قصره أيضاً المغني منصور اليهودي , وكان له ابن يدعى المغيرة يشاركه حب الغناء . وذلك لم يكن غريباً على الأمراء الأمويين في الأندلس فقد كان جده عبد الرحمن الداخل يحب الغناء , وكان يشتري الجواري المدنيات – كانت المدينة المنورة وقتها مركزاً هاماً لتعليم الجواري الموسيقى والغناء من المشرق والمغرب على حد سواء– فكانت له جواري بلغن مكانة كبيرة من الفن ذكر التاريخ منهن فضل وكانت جارية لابنة هارون الرشيد , علم , العجفاء , قلم الأندلسية , و قد أسس لهن عبد الرحمن الداخل داراً عرفت بدار المدنيات لأن أغلبهن تعلمن هناك , فكان من الطبيعي أن يرى زرياب في  هذا المناخ المناسب له , اضافة إلى رغد العيش في الأندلس , وبعدها عن سلطة  الدولة العباسية التي قد يطوله الأذى على أراضيها من استاذه اسحق الموصلي .

  وبمجرد أن وصل زرياب للشاطئ الأندلسي حتى وصلت الأنباء بوفاة الحكم , فأراد العودة للمغرب , إلا أن المغني منصور , أراد أن يقدم للأمير الجديد عبد الرحمن الأوسط هدية يوطد بها علاقته معه , فأرسل سريعاً  لعبد الرحمن يخبره بما عزم عليه زرياب , فرد عليه الأمير سريعاً باستبقاء زرياب وطلب حضوره لقرطبة , بل وأمر عماله على مختلف  المدن في الطريق بحسن استقبال زرياب , وعندما وصل قرطبة استقبله الأمير بنفسه في احتفال , و أنزله داراً من أفضل الدور , بها كل مايحتاج إليه , وكان هذا بداية سعد على زرياب حيث استقبله الأمير عبد الرحمن بعد ثلاثة أيام في قصره , و أقر له مائتي دينار كراتباً شهرياً  , وعشرون ديناراً شهرياً لأولاده الذين أتوا معه , وكانوا أربعة " عبد الرحمن ,و جعفر , و عبيد الله , ويحي . ولكل عام له ثلاثة آلاف دينار , منها لكل عيد ألف دينار , ولكل مهرجان ونيروز خمسمائة دينار , و أن يكون له من الطعام العام ثلاثمائة ثلثاها شعير وثلثها قمح , وأعطاه من الدور والضياع مايقدر بأربعين ألف دينار .

   وإذا كان الأمير عبد الرحمن الأوسط , لم يبخل على زرياب في العطايا فقد تشبه بالخلفاء العباسيين في السخاء بالعطاء على واحد من أهل الفن , حيث أعجب بهم أيضا في ملابسهم ومظهرهم وفي احتجابهم عن الرعية لكسب الهيبة .

  وقد انطلق زرياب ليبدع في الأندلس , فقد علم الأندلسيين طرقاً جديدة في الموسيقى من حيث كيفية بداية الغناء وانهائه , واضاف مقامات موسيقية جديدة حيث أدخل السلم الخماسي المعروف لأهل النوبة , وعلمهم أن يستخدموا قوادم النسر بدلا من الخشب في الضرب على العود ليساعد على نقاء الصوت وسلامة الوتر , بل واضاف وتراً خامساً في العود في الوسط . واخترع الموشحات التي اشتهرت في الاندلس , وقد أنشأ مدرسة لتعليم أصول الغناء بدأها بابنائه  وبناته وجواريه  حيث كان ابنه عبيد الله أفضلهم يليه عبد الرحمن , وكانت بنته حمدونة أفضل بناته في الفن ,و أفضل جواريه كانت تسمى متعة وقد أهداها بعد ذلك للأمير عبد الرحمن ,  وقد تتلمذ في تلك المدرسة الكثير ممن نشروا الفن في الأندلس .

  ومثلما نقل زرياب فنون الشرق وطورها , وعلمها لأهل الأندلس , فقد نقل ايضا لهم فنون الحياة ورغد العيش , فربما كانت معيشتهم  ميسرة ولكنها لم تكن راقية كالشرق , فليس كل غنياً استطاع التمتع بكل مايملك , فغير كل هذا زرياب , وعلم أهل قرطبة , أن ليس كل ملبس غال راق , بل أن الملبس الراق الجميل هو من يناسب الوقت , والمناسبة المخصصة له . فحث الناس على تغيير الملابس لتكون مناسبة لفصول السنة المختلفة , فعلم الناس لبس الأبيض من شهر يونيه إلى أول أكتوبر , ثم يليها ثلاثة أشهر يلبسون فيها الملابس الملونة , وجعلهم يلبسون في الربيع ملابس لا بطائن لها , وفي آخر الصيف وأول الخريف يلبسون ملابس ملونة خفيفة ذات حشو وبطائن كثيفة , وإذا اشتد البرد زادوا من تحت تلك الملابس بالفراء .

   وايضا كان لزرياب الأثر الحميد في طعام وشراب أهل الأندلس  , فربما تكون المائدة عامرة بالطعام الشهي وقد يرغب عنه الناس لسوء التقديم , فعلم الناس طريقة التسلسل المنظم في تقديم الأطعمة , فالبداية تكون بأطباق الشوربة والأطعمة التي تقدم ساخنة , ثم أطباق اللحوم والطيور المتبلة بالبهارات , وأخيرا أطباق الحلوي وعلمهم نوع من الحلويات يسمى "التفايا" وهو نوع من الفطائر المصنوعة من الجوز واللوز والعسل يشبه القطائف , و أيضا المعجنات المحشوة بالفستق والبندق والمعقودة بالفواكه المعطرة وقد سميت على اسمه "زريابيه " ثم حرفت إلى زلابيه التي نعرفها الآن  , وقد أدخل على المطبخ الأندلسي بقلية الهليون التي لم تكن معروفة هناك , ولم يقتصر تأثيره على الأطباق المقدمة بل امتد للمظهر العام لمائدة الطعام , فاختار غطاء المائدة من الجلد الرقيق بدلا من الغطاء المصنوع من القطن أو الكتان لأن الجلد أسهل في التنظيف , و أشاع بين الناس استخدام أواني الزجاج الرقيق بدلاً من أواني الذهب والفضة التي كانوا يتباهون بها , دون أن يفطنوا أن الزجاج لا ضرر منه على صحتهم , وترك الذهب والفضة لأصص الأزهار – إذا أرادوا من هذا زيادة في الجمال والرفاهية ومتعة للعين _ وعلم أهل الأندلس وضع المناديل على المائدة لمختلف الأغراض فذلك لليدين وتلك للفم , وذلك للجبهة و تلك للعنق , وهو أول من لفت أنظار النساء إلى أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضا.

   وذلك الرجل الذي نقل للأندلس فن الذوق العام أو مايسمونه الآن بالاتيكيت , كان هو مثالاً على ذلك فكان أنيقاً في  ملابسه و كلامه وطعامه وشرابه . أقبل الناس على ابتكاراته في كل نواحي حياتهم , حتى أنه من أدخل الشطرنج  للأندلس ومن بعدها انتقل لأوروبا .

   وفوق كل هذا بهر أهل الأندلس بموسوعيته , فقد كان واسع الثقافة , يقرأ الآداب , وعالماً بالنجوم , وعلم الجغرافيا من تقويم البلدان ومناخها وطبائع أهلها وتشعب بحارها وتصنيف شعوبها .

  وكان منطقياً أن يثير حسد المقربين من الأمير عبد الرحمن , فعارضه بعض العلماء والوزراء , بحجة عدم الاطمئنان لتلك البدع الشرقية القادمة من العراق , ومثال لهؤلاء : العالم والأديب والشاعر تمام بن علقمة , والشاعر يحيي الغزال فاضطر الأمير عبد الرحمن للتدخل وحماية زرياب , فنهر تمام بن علقمة , ونفي يحيي الغزال وصالح بين زرياب والوزراء . وقد فعل الأمير عبد الرحمن هذا لأنه رأى  زرياباً  علامة من علامات التقدم والازدهار في عصره , وليشهد التاريخ بأنه كان راعياً لمظاهر الحضارة الراقية ولو كانت قادمة من عند العباسيين الذين فتكوا بأجداده الأمويين .

  وقد توفي زرياب في " 852 ميلادية – 238 هجريه " قبيل وفاة الأمير عبد الرحمن الأوسط .


الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

بلاد لاما وليما



هي بيرو أو البيرو أو جمهورية بيرو , دولة من دول أمريكا الجنوبية لها مذاق خاص , اشتق اسمها من  اسم حاكم محلي عاش بالقرب من خليج " سان ميغيل"  في "بنما" في أوائل القرن السادس عشر.  عندما زار المستكشفون الإسبان ممتلكاته عام "1522" م كانت أقصى جنوب العالم الجديد المعروف حينها لهم .  وعندما استكشف "فرانسيسكو بيزارو" المناطق الأبعد إلى الجنوب أصبحت تعرف باسم  "بيرو"ثم.  أضاف التاج الإسباني الصفة الرسمية للتسمية في إعلان توليدو عام 1529 والذي أطلق اسم مقاطعة بيرو على أراضي إمبراطورية الإنكا.  وأصبحت تحت الحكم الإسباني تعرف باسم ولاية بيرو والتي أصبحت جمهورية بيرو بعد حرب الاستقلال البيروفية.


                                  موقع بيرو بالنسبة لأمريكا الجنوبية                               


    تبلغ مساحتها حوالي 1.2 مليون كم مربع . يحدها من الشمال كل من الإكوادور وكولومبيا ومن الشرق البرازيل و من الجنوب الشرقي بوليفيا وتشيلي من الجنوب والمحيط الهادئ من الغرب والعاصمة  ليما .

 تشتهر بجبال الأنديز التي تحاذي المحيط الهادي وتقسمها لثلاث مناطق جغرافية . فالساحل يقع إلى الغرب و يتصف بكونه ضيق وقاحل الأودية الناجمة عن الأنهار الموسمية. ثم جبال الأنديز وبها  أعلى قمة في البلد "هوسكاران" بارتفاع 6768  م. ثم  منطقة الغابات وتمثل حوالي 60% من مساحة البلاد,  وبيرو  رابع أكبر مساحة من الغابات المدارية في العالم بعد البرازيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا. و تنبع معظم أنهار بيرو من قمم جبال الأنديز , ومن أطول أنهارها :" أوكايالي" و"مارانيون "و"بوتومايو" و"الأمازون". و برغم من أنها دولة استوائية إلا أن  جبال الأنديز وتيار "همبولت" جعلوا المناخ متنوعاً فالساحل معتدل الحرارة وذو أمطار منخفضة ورطوبة عالية باستثناء المناطق الشمالية الأكثر دفئاً ورطوبة . والمرتفعات مطرها صيفي ,  وتقل درجات الحرارة والرطوبة مع الارتفاع وصولاً إلى قمم جبال الأنديز المجمدة. تتميز مناطق الغابات بهطول الأمطار الغزيرة وارتفاع درجات الحرارة عدا جانبها الجنوبي البارد شتاء وذو الأمطار الموسمية. وبسبب التنوع في الجغرافية والمناخ ظهره أثره في زراعتها فهي تزرع البطاطس , الكوسا , والفول السوداني , والقطن منذ آلاف السنين وتزرع الآن الذرة , الأرز , والبن و بجانب الزراعة كنشاط اقتصادي  هناك ايضا  صيد الأسماك والتعدين والصناعات الخفيفة التقليدية كالنسيج .


قمة هوسكاران أعلى قمة في الأنديز 

                     غابات الأمازون في بيرو 

 


النسيج التقليدي في بيرو

 

 صيد الاسماك في بيرو

 

و بسبب هذا التنوع أيضا  كان هناك  تنوعاً حيوياً كبيراً أوجدت من أجله العديد من المحميات الطبيعية . وشمل هذا التنوع كذلك  السكان والثقافات فعدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة متعددي الأعراق فخلال الخمس قرون الأخيرة حدث تغيرات على خريطة السكان فقد دخل الأسبان في القرن السادس عشر البلاد ووجدوا سكانها الأصليين عددهم حوالي 9 مليون نسمة تناقصوا إلى حوالي 600 ألف نسمة بسبب الأمراض المعدية القادمة مع الغزاة وكانت غريبة عنهم  .  و السكان الموجودون الآن حوالي 45 % منهم من السكان الأصليين , و حوالي الثلث من المستيزو وهم نتاج زواج السكان الأصليين و الأسبان , و قد جلب الأسبان بالأفارقة كرقيق بداية من القرن السادس عشر , ثم بدأت الهجرات الأوروبية من انجلترا و فرنسا وألمانيا وايطاليا و اسبانيا فشكلوا الآن  15 %, ثم جاء الصينيون في خمسينات القرن التاسع عشر و استبدلوا مكان العمال الرقيق , ثم جاءت هجرات العرب واليابانيين , ليشكل كل هؤلاء 3 % . يتحدث أغلبهم الأسبانية وإن احتفظ السكان المحليون بلغاتهم الأصلية . وأغلب السكان من المسيحيين الكاثوليك والتي غلبت على ديانة السكان الأصليين الذي كانوا يعبدون الشمس وعناصر الطبيعة , ويعاني معظم سكان بيرو من الأمية وسوء التغذية وارتفاع الوفيات بين المواليد .

 

   السكان الأصليين لبيرو 

 

                 المستيزو 

  والتنوع السكاني في بيرو خلف تنوعا ايضا في الفن نراه واضحا وإن ظل تأثير حضارة الإنكا ظاهرا في الخزف والنحت والمنسوجات والمجوهرات و العمارة , مع وجود تأثير واضح للفن الباروكي في العمارة خاصة في الكنائس والأديرة . و الموسيقى في بيرو متأثرة بالفن الأسباني و الأفريقي بجانب موسيقى سكان الانديز .

 ولتاريخ بيرو أثر عميق على مختلف نواحي الحياة , والذي يمتد لأكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد , ثم  تميزت حضارة نورتي شيكو، على ساحل المحيط الهادي في ما بين 3000 و1800 قبل الميلاد.  تبع ذلك حضارات تاريخية مثل" الكابيسينك" و "الشافيين" و" الباراكاس" – من 800 إلى 100 ق.م وتميزت بنظم الري والتقدم في النسيج - و" الموشيكا "و"النازكا "- في الساحل الجنوبي  بين أعوام 200 ق. م - 600 م ذات مستوطنات صغيرة الحجم نظرا للبيئة الجافة جدا على نمو السكان، وهي تتميز بالفخار والملون بألوان متدرجة . ثم تميزت في القرن الخامس عشر حضارة "الإنكا " أو إمبراطورية "إنكا" (1438–1527) م , كامبراطورية قوية غنية شملت مجتمعات اعتمدت على الزراعة  وتربية ورعي اللاما و أشباهها  وصيد الأسماك واستخراج المعادن خاصة الذهب و الفضة وصناعة النسيج  وتبادلت منتجات تلك الأنشطة فيما بينها . وكانت الانكا مقرها الاداري والعسكري هو  "كوسكو" ومقر عبادة الشمس و قد اكتشف حديثا أنها أكثر بقعة على كوكب الأرض تتعرض للأشعة فوق البنفسجية , وتقع على جبال الانديز وترتفع أكثر من 3000 متر عن سطح البحر وقد بلغ عدد سكانها أكثر من ربع مليون نسمة , أصبحت من المزارات السياحية الهامة نظرا للكنائس و الأديرة والقصور التي بناها "فرانسيسكو بيزاو" على أنقاضها عندما استعمر امبراطورية "إنكا "وكذلك لأنها تحتوي على المطاعم التي تقدم أنواع البطاطس الأصلية بالطرق التقليدية .  

 

 

                     حضارة نورتي شيكو 

 

ذهب ملوك انكا 


وامبراطورية "انكا" تحتوي ايضا على أعجوبة من عجائب الدنيا السبع الجديدة أو المدينة المفقودة أو "ماتشو بيتشو"  وتعني "قمة الجبل القديمة"  وعثر عليها الصدفة عام "1911م "المستكشف الأمريكي "هيرام بينغهام " , وكانت مغطاة بالغابات الاستوائية الكثيفة , وهي في نطاق إقليم "كوسكو " على ارتفاع أكثر من 2250 متر عن سطح البحر , على جانبيها هاوية سحيقة ارتفاعها حوالى 600 متر , تحتوي على الكثير من الحدائق والأروقة والبنايات والقصور الفخمة والترع وقنوات الري وبرك الاستحمام . وتربط السلالم الحجرية بين الحدائق والشوارع المختلفة الارتفاع . ويعتقد أنها لم تكن للمعيشة وإنما كانت لتقديم القرابين ، حيث وجدت أعداد كبيرة من جثث للنساء في هذه المدينة. لاعتقاد  شعب "الإنكا "أن النساء بنات الشمس المقدسة.

 

ماتشو بيتشو 

 

                   ماتشو بيتشو 

 

               ماتشو بيتشو 

 

                    هيرام بينجهام 



وظلت امبراطورية "انكا" في ازدهار حتى وطأ المستعمر الأسباني أرض الامريكتين ومعه الأمراض المعدية من العالم القديم ففي الفترة ما بين "1524_1526"م اكتسح مرض الجدري حضارة "الإنكا "بعد انتقاله من" بنما ".مما أدى لموت حاكم "الإنكا " وأغلب عائلته و وريثه , وهو ما أدى إلى انهيار نظام "الإنكا" السياسي واندلاع الحرب الأهلية بين الأخوين" أتوالبا "و "واسكار". وشجع ذلك الصراع القائد الأسباني "بيزارو" فهزم "أتاوالبا" أخيه "واسكار", ثم هزم" بيزارو" "أتاولبا " الذي افتدى نفسه بغرفة من الذهب وغرفتين من الفضة , ومع ذلك نكث وعده "بيزارو" وقتله وقضى على أي معارضة من السكان الأصليين للحكم الأسباني لتظل "بيرو" تحت الحكم الأسباني بخيراتها الوفيرة وكنوز الذهب والفضة , حتى أن ممثل التاج الأسباني "فرانسيسكو توليدو" اجبر السكان الأصليين في استخراج الفضة وذلك في سبعينات القرن السادس عشر ليشكل ذلك نشاطا اقتصاديا للبلاد .


 

فرانسيسكو بيزارو 

 

حرب بيزارو مع السكان الأصليين 

 

        خوسيه دي مارتن 

 

               سيمون بوليفار 

 

  ومع زيادة الضرائب من اسبانيا على سكان "بيرو" قامت العديد من الثورات مثل ثورة " توباك أمارو الثاني" , وظل الحال كذلك حتى جاء القائدان "خوسيه دي سان مارتان" و" سيمون بوليفار" واشتركا في حرب ضد اسبانيا  , حيث ارادا الاستقلال عن اسبانيا وتشكيل اتحاد جنوب أمريكي , و أصبح خوسيه دي سان مارتن الأرجنتيني أول رئيس لبيرو  في 28 يوليو 1821 م , إلا أن الصراع بين القادة أدى لفشل الاتحاد وانهيار الوحدة ما بين "بوليفيا" و"بيرو" - تلك الدول الوليدة والتي نالت استقلالها - بعد إنشائها بفترة قصيرة , ثم دخول "بيرو" الحرب مع "تشيلي" ما بين "1879- 1883" م ، وهو ما أدى إلى خسارة "بيرو" لمقاطعتي "تاراباكا "و"أريكا" وفقا لمعاهدة "ليما" ومعاهدة "أريكا" , وعلى الرغم من كل تلك الصراعات مع الجيران , ألا أن كل هؤلاء الدول جمعهم في يوم من الأيام نفس المعاناة من المستعمر الأسباني الذي أتي من وراء المحيط و أخذ خيراتهم لبلاده وحارب ثقافتهم واختلط بهم وسكن مكانهم وتزوج منهم , لتنشأ دول جديدة تتضافر فيها حضارة المستعمر مع حضارتهم .




وإذا تناولنا معالم "بيرو" المختلفة , يجب ألا ننسى  اللاما ذلك الحيوان الذي يقطن أمريكا الجنوبية هو رفيق كفاح الانسان قاطن تلك البلاد في المناطق المرتفعة والجيلية ولا يعرفه مواطنوا الغابات والمناطق الاستوائية بأمريكا الجنوبية , وقد اتخذته بيرو شعارا لها , فقد قدم لمواطن تلك المناطق وخاصة في دولة بيرو خدمات جليلة , فهو كالبقرة للمصري القديم , والحصان أو الناقة للعربي شهد على بداية حضارته وسانده فيها بصبر وجلد ,و اعتمد على لحمه كغذاء وصوفه في الملابس والمفروشات وايضا كوسيلة نقل وكناقل للاحمال عبر الجبال ،  ذلك الحيوان , هو متعدد الأنواع يختلط على البعض في تسميتهم فالبعض يرى أنهم كلهم لاما , فمنهم : "اللاما" , "الفيكونة ", "الغوناق" , "الألباكا ", وكلما تقدمت الأبحاث تثبت اختلاف درجة القرابة بينهم و يجمعهم كلهم انتمائهم لفصيلة الجمليات و تواجدهم بجبال أمريكا الجنوبية , وكان العلماء في البداية يرونها أقرب للأغنام لكنها وضعت تحت جنس الجمليات وقد اثبتت الحفريات أنها كانت تعيش في العصور الجليدية في أمريكا الوسطى وإذا تحدثنا عن أقرب الحيوانات  شبهاً ويعتبر صنفا فرعيا من اللاما , كان " الغوناق "ولكنه  بري لم يستطع الإنسان استئناسه ربما لأن "اللاما" هناك عوضته عن ذلك , ويتميز عن "اللاما" بأذنه الصغيرة , ووزنه يصل إلى  75 كجم للإناث , 100 كجم للذكور , وارتفاع من 100سم  إلى حوالي 120 سم .  

الغوناق 

 

فيكونيا 




 وهناك "الفيكونيا" يعتمد عليها السكان المحليين في جز فروها وبيعه كنشاط اقتصادي , حيث يخرج السكان من مختلفي الاعمار في رحلة أشبه برحلات الصيد ولكنهم يتركون "الفيكونيا" بعد أن يأخذوا مايحتاجونه من الفرو ويتركوا على جسمها مايسمح لها بالتدفئة ولا يؤخذ من نفس الحيوان فروه بعد الجز إلا بعد مرور سنتين  . 

                                                                                 

                                   ألباكا    


 والنوع الثالث هو "ألباكا" ,  وينحدر من "الفيكونيا ", وهو يشبه الخروف طويل الرقبة أو اللاما الصغيرة , وهو شبه مستأنس , ويربى على مرتفعات الانديز على ارتفاع يتراوح 3500 إلى 5000 متر , ويستفاد من صوفها الذي يصنع منه الملابس الثقيلة و المفروشات , و ارتبطت "ألباكا" بشعب "الموش "في بيرو منذ الاف السنين , حيث سجلت صورها في فنونهم , فقد اعتمد عليها منذ ذلك الوقت وحتى الآن في استخدام  اللحوم والصوف ,  وتربى "الالباكا "في قطعان تصدر اصوات صاخبة عن طريق الاستنشاق للتحذير من اقتراب الخطر , وتستطيع أن تدافع عن نفسها بالركل بقدميها الأماميتين أو البصق .  و"الألباكا " يكون البصق عندها قذيفة من الهواء والقليل من اللعاب الذي يحتوي على طعامها العشبي , وللألباكا سلوك في التخلص من الفضلات يحد من انتشار الطفيليات الداخلية حيث يصطف القطيع في مكان واحد تتكون بعدها كومة من الفضلات . 

                    

                                                                        اللاما

                                   

   ثم يأتي "اللاما" الحيوان الأهم في جبال الانديز , صاحب الصوف الكثيف الذي يدخل في صناعة الملابس والمفروشات وجلده في صناعة الصنادل , ويتغذى السكان الأصليين على لحوم صغارها , ونظراً لأن "اللاما" أكبر أنواع عائلة الجمال  حجماً في أمريكا الجنوبية حيث يصل طوله إلى حوالي 119 سم إلى مستوى الظهر و حوالي 225 سم إلى فوق الرأس , ويتراوح وزنها  بين 130 إلى 155 كجم ، ويبلغ ارتفاعها عند الأكتاف حوالي 1,2م , فتلك المواصفات الجسدية , جعلت السكان منذ تاريخ قديم يستخدمونها في الحمل والنقل حيث تستطيع أن تحمل حتى 90كجم، وتسير بأقدام ثابتة في الممرات الجبلية، لمسافة أكثر من 30كم في اليوم الواحد. وإذا تعب "اللاما" ، فإنه يستلقي على الأرض ويرفض التحرّك. وعند الغضب أو التعرض للهجوم فإنه يبصق بلعاب كريه الرائحة في وجه عدوه ومايبصقه عبارة عن خليط من الطعام غير المهضوم من معدته، له حموضة عالية نسبيًا لأن مصدرها المعدة. وهذه المادة الهضمية الخارجة من معدة "اللاما" هي نفسها المادة التي يخرجها الجمل عندما يعطش وهو يخزنها في سنامه، أما "اللاما" ليس له سنام لذا فهو يخرجها من معدته .  وعند قدم مجيء الأسبان لبيرو في القرن السادس عشر الميلادي استخدموا حوالي 300,000 من حيوانات "اللاما "لنقل الفضة من المناجم. وللأسباب السابقة كانت "اللاما" شريك في بناء حضارة" بيرو" وايضا كانت تربيتها غير مكلف، فهي شديدة التحمل، تعيش على الشجيرات القصيرة ونباتات "الأُشنة "وغيرها من النباتات التي تنمو في الجبال المرتفعة. كما تتحمل البقاء لعدة أسابيع بدون ماء، وتستعيض عنه بالنباتات الخضراء الرطبة .